Site icon IMLebanon

واشنطن وطهران… من يتراجع أولاً؟

 

تتصرف إيران في علاقتها مع إدارة جو بايدن الجديدة وكأنها الفريق «المنتصر» في انتخابات الرئاسة الأميركية. تضع الشروط مقابل موافقتها على العودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي. تسعى إلى ترتيب الأوراق مع الحلفاء، كما تفعل مع موسكو وبكين، وتدعوهما إلى دعم موقفها حيال واشنطن، باعتبارهما من الدول الست الموقِّعة على الاتفاق، ثم تطلق التحذيرات بشأن الضغوط على مفتشي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، وتهدد بمنعهم من العودة إلى تفتيش مواقعها النووية، إذا لم تتراجع واشنطن عن تعليق التزامها بالاتفاق.

الناطق باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي يقول: «إن فرصة عودة أميركا إلى الاتفاق النووي ليست مفتوحة إلى الأبد. كما أن هذه الفرصة محدودة أمام الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق».

ويتجاهل السيد المتحدث باسم حكومته أن إيران هي التي تتعرض للعقوبات، وهي، وليس واشنطن أو الدول الأوروبية، الأكثر حاجة لإنقاذ اقتصادها المتهاوي ولفك عزلتها التي سوف تزداد، مع عودة التحالفات بين واشنطن والعواصم الأوروبية، إلى وضع أكثر صلابة عما كانت عليه في ظل إدارة ترمب. وبالتالي فطهران هي التي يفترض أن تعتبر أن فرص عودتها إلى الالتزام بالاتفاق ليست مفتوحة إلى الأبد.

أي محاولة لتفسير موضوعي لخلفيات التصرف الإيراني هذا لا بد أن تخلص إلى أنه يستند إلى قراءة خاطئة لسياسة إدارة بايدن حيال الملف الإيراني، كما حيال ملفات أخرى في منطقة الشرق الأوسط. طهران تعتبر أن بايدن قادم إلى البيت الأبيض لممارسة سياسة انتقامية تطيح كل ما قامت به إدارة دونالد ترمب، وترى أن التراجع عن التشدُّد الذي التزم به ترمب حيال إيران سيكون على رأس أولويات الإدارة الجديدة.

طبعاً، يقوم بايدن بتغيير عدد غير قليل من سياسات سلفه، تتعلق باتفاق المناخ وبالجدار مع المكسيك وبالسماح بدخول مواطنين من دول ذات أكثرية مسلمة إلى الولايات المتحدة، وبإعادة التواصل مع حلفاء أميركا حول العالم، وسوى ذلك. غير أن بايدن كان واضحاً في مناسبات كثيرة، قبل انتخابه وبعده، عند تطرقه إلى مسألة الاتفاق مع إيران، في تحديد شروطه لعودة واشنطن إلى الالتزام بهذا الاتفاق، وهي شروط يمكن تلخيصها بثلاثة:

1 – عودة إيران إلى الالتزام الكامل والمسبق، (أي قبل عودة واشنطن)، ببنود الاتفاق النووي.

2 – ضرورة رسم سياسة مشتركة مع حلفاء واشنطن الأوروبيين الموقعين على الاتفاق (فرنسا، بريطانيا وألمانيا) في مواجهة إيران.

3 – الحاجة إلى اعتبار الاتفاق الحالي نقطة انطلاق لمفاوضات جديدة تشمل بالتحديد قضية صواريخ إيران الباليستية، ومسألة تدخلها في الشؤون الداخلية في عدد من الدول العربية، وهذا يتضمن مشاركة حلفاء واشنطن في المنطقة في هذه المفاوضات.

في أكثر من مناسبة، حدد جو بايدن، المرشح ثم الرئيس، موقفه من هذه النقاط. من أهمها مقال كتبه على موقع محطة «سي إن إن»، في سبتمبر (أيلول) الماضي، قبل شهرين من الانتخابات، تحت عنوان: «هناك طريقة أكثر ذكاء للتشدد مع إيران»، والثاني حديث لصحيفة «نيويورك تايمز» مع الصحافي الأميركي توماس فريدمان، بعد أسبوع على انتخابه. وفي المناسبتين انتقد بايدن سياسة ترمب المتعلقة بإيران، وتراجعه عن الالتزام بالاتفاق معها. لكنه انتقد ترمب انطلاقاً من نقطتين؛ الأولى أن التراجع عن الاتفاق أتاح لطهران العودة إلى تخصيب اليورانيوم من دون رقيب، وزادت من إنتاجه عشر مرات أكثر عما كان عليه قبل الاتفاق، وبالتالي زادت من خطر برنامجها على جيرانها، وعلى المصالح الأميركية، كما أن هذا التراجع ترك أميركا معزولة حتى حيال حلفائها، الذين رفضوا السير معها والتراجع عن التزامهم بالاتفاق.

الموقف الأوروبي حيال هذه المسألة مختلف اليوم، في ظل تقارب يصل إلى حد التماهي مع موقف واشنطن. الاتصال الذي تم بين جو بايدن وإيمانويل ماكرون أعقبه موقف أعلنه أحد المستشارين في الرئاسة الفرنسية، قال فيه إن على إيران «التوقف عن أي استفزاز، والعودة إلى احترام التزاماتها في إطار الاتفاق النووي، إذا أرادت عودة الولايات المتحدة إليه». وتلتقي الحكومتان الألمانية والبريطانية مع هذا الموقف، ومعروف أن للدول الثلاث اعتراضات كثيرة على ممارسات إيران وسلوكها في المنطقة.

في مقابل ذلك، تعمل طهران على عملية استقطاب لحليفيها التقليديين، موسكو وبكين، مستفيدة من التصعيد المتوقع لخلافاتهما مع إدارة بايدن.

بعد أول لقاء بين وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، بعد تولي بايدن مهمات الرئاسة، ألقى لافروف مسؤولية العودة إلى الاتفاق النووي على عاتق واشنطن. قال إن هذه العودة ضرورية لاحترام إيران التزاماتها «لإنقاذ هذا الاتفاق المهم»، كما وصفه. وأضاف أن لدى موسكو وطهران موقفاً واحداً، وموسكو لن تقبل «الاستفزازات» التي تتعرض لها طهران، ودفعها باتجاه مواجهة مع واشنطن. فيما دعا ظريف إلى الحفاظ على وحدة الموقف بين موسكو وطهران.

والسؤال الذي لا بد أن يطرحه الإيرانيون على أنفسهم يجب أن يكون: ماذا تستطيع موسكو وبكين أن تقدما لهم، بعدما عجزتا عن تقديم أي مساعدة لإنقاذ الاقتصاد الإيراني خلال السنوات الثلاث الماضية منذ إقامة إيران تحت ضغوط العقوبات الأميركية؟ وبالتالي ما الأوراق التي في يد إيران لتستطيع مواجهة الشروط التي وضعها بايدن للعودة إلى الاتفاق معها؟

تريد إيران الإيحاء من خلال تصلبها الظاهر أنها غير مستعجلة للاتفاق مع إدارة بايدن أو لتلبية شروطه. وربما كانت تريد ممارسة اللعبة الداخلية التقليدية، من خلال وضع الإدارة الأميركية الجديدة والقوى الغربية والإقليمية أمام خيار التعامل مع إيران «المعتدلة أو المتشددة»، فيما هي على أبواب انتخابات رئاسية جديدة. غير أن الدول التي جربت هذه اللعبة من قبل باتت تدرك أن المفاضلة ليست واقعية ولا مجدية، في ظل تركيز قرار الحل والربط في طهران في يد «المرشد» علي خامنئي و«الحرس الثوري».

وإذا كانت طهران غير مستعجلة، كما تريد أن توحي، فإن واشنطن غير مستعجلة أيضاً. أنتوني بلينكن قال في كلمته أمام مجلس الشيوخ بمناسبة الموافقة على تسميته وزيراً للخارجية، إنه لا يتوقع اتفاقاً سريعاً مع إيران، لأن واشنطن ستحتاج إلى وقت لتقييم احترام طهران لتعهداتها، حتى لو عادت إلى الالتزام بالاتفاق «ونحن بعيدون عن ذلك». كما دعا طهران إلى التوقف عن نشاطاتها «المثيرة للقلاقل» في المنطقة، مضيفاً عبارة تشير بوضوح إلى الاتجاه الذي ستسلكه إدارة بايدن: من المهم أن نتشارك مع حلفائنا في عملية الإقلاع، عند رسم سياساتنا، وليس فقط في عملية الهبوط.

عبارة مهمة يجب أن تقرأها طهران لتدرك أنها لا تملك ترف انتظار: من يتراجع أولاً؟