IMLebanon

واشنطن ـ طهران: تحالف الأمر الواقع

طهران وواشنطن على موعد مع استحقاقين في آذار المقبل. تلتئم الاجتماعات حول الملف النووي بين إيران ودول الخمسة زائداً واحداً في 16 آذار، وفي 24 من الشهر نفسه تنتهي المدة التي أعطاها الكونغرس الأميركي للرئيس باراك أوباما للتوصل إلى اتفاق مع الجمهورية الإسلامية حول هذا الملف الشائك. إذا فشلت الاجتماعات في التوصل إلى اتفاق، يتخذ الكونغرس بمجلسيه ـ بتأييد كل الأعضاء الجمهوريين وأكثرية الأعضاء الديموقراطيين ـ قرار «إعلان نيات الكونغرس» حول العقوبات الإضافية التي يعتزم فرضها على طهران. ومع ان هذا القرار غير ملزم للإدارة، ومن ثم لن يضطر الرئيس أوباما لاستعمال حق النقض (الفيتو)، لكنه قد يصبح مصدر خوف الشركات الأميركية خصوصاً، والأوروبية عموماً، حيال العمل في إيران.

بكلام آخر، إذا فشلت اجتماعات دول الخمسة زائداً واحداً مع إيران في التوصل إلى اتفاق، يبدأ الكونغرس سلسلة قرارات لفرض عقوبات أقسى عليها، ولا يستطيع أوباما إيقافها لأنها تتمتع بأكثرية تزيد عن الثلثين في كل من مجلسي الشيوخ والنواب.

وكانت الاجتماعات السابقة بين إيران ودول الخمسة زائداً واحداً قد توصلت إلى شبه اتفاق حول الملف النووي، وبقي الخلاف على العقوبات الغربية وخصوصاً الأميركية. قبلت إيران بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية فقط، ووافقت على أن تراقب الوكالة النووية الدولية كل المرافق النووية الإيرانية، في مقابل رفع كل العقوبات التي فُرضت عليها منذ ثورتها في العام 1979، وزادت بقوة منذ مباشرة برنامجها النووي.

للعقوبات الأميركية على إيران مصدران: الرئاسة الأميركية والكونغرس. وبينما يستطيع الرئيس رفع كل العقوبات التي فرضها الرؤساء الأميركيون منذ جيمي كارتر وقيام الثورة الإيرانية في شباط 1979، إلا انه لا يستطيع التأثير على العقوبات التي فرضها الكونغرس، خصوصاً أن علاقته مع قيادتي الأكثرية الجمهورية في المجلسين شبه معدومة. لكن بعض هذه العقوبات في حاجة إلى تجديد دوري. فيمكن للرئيس ـ إذا نجحت المفاوضات مع إيران ـ وقف معظمه أو إلغاؤه.

هناك أيضاً عقوبات أوروبية تخضع لإرادة الدول الأوروبية، ومنها من يعارض الاتفاق مع إيران. كذلك عقوبات مجلس الأمن. وهذه تبدو إزالتها أسهل إذا وافقت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن على الاتفاق مع إيران.

يضع هذا الواقع الرئيس أوباما في حيرة كبيرة: من جهة، تسير السياسة الخارجية لإدارته نحو التقارب مع المحور الإيراني في المنطقة، من دون التخلي عن حلفاء واشنطن العرب التقليديين. فالسياسة الأميركية اليوم متحالفة «واقعياً» مع إيران في العراق والرئيس بشار الأسد في سوريا على أساس «عدو عدوّك صديقك»، والعدو الأول لواشنطن اليوم هو منظمتا «داعش» و«النصرة» وأمثالهما.

كذلك فإن عناد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعدم شفافية أهدافه نحو المنظمات الإسلامية المتطرفة عدوة واشنطن أولاً، ومستقبل سوريا ككل ثانياً، يقرّب واشنطن من محور طهران تدريجيا من دون الحاجة إلى التنسيق بينهما.

من ناحية أخرى، ما يقرّب واشنطن من المحور الإيراني وجود بنيامين نتنياهو في قيادة إسرائيل، الذي يهدف إلى ان يكون مؤثراً في السياسة الداخلية الأميركية. إلا ان موافقة الرئيس الأميركي على السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية يثير نتنياهو الذي يصر على منعها من التخصيب بالمطلق، ومن ثم ينطلق مع سفيره في واشطن، الأميركي المولد، بدعم الجمهوريين، ويحاول إقناع اليهود الاميركيين الذين يساندون تقليدياً الحزب الديموقراطي بأكثرية ساحقة، بتأييد الحزب الجمهوري. كل ذلك يثير أوباما ويحمله على التقرّب على نحو غير مباشر من المحور الإيراني.

المحور الرابع والأخير في المشرق العربي، إلى إيران وتركيا وإسرائيل، هو السعودي ذو الامتداد الخليجي والمصري. تبدو واشنطن مرتاحة إلى العهد الجديد، وإلى الملك سلمان بن عبد العزيز وإدارته الجديدة وخصوصاً اختياره الأمير محمد بن نايف للمنصب الثالث في المملكة، ناهيك بالانتقال الرسمي المنظم للسلطة. كذلك تقدر واشنطن جهود وليّ وليّ العهد في الاتفاق على عودة دولة قطر إلى الانتظام في مجلس التعاون الخليجي، وقطع علاقتها مع «داعش».

في اختصار، تسير علاقة واشنطن مع طهران على طريق التقارب، في انتظار الاتفاق على الملف النووي من دون التعرض لعلاقتها مع المحور السعودي بعدما عارض الملك السعودي الراحل عبدالله التوصل إلى اتفاق كهذا. كذلك، تتمنى واشنطن أن تأتي الانتخابات المقبلة في إسرائيل، في 17 آذار، بحكومة جديدة تقتنع بأن تحسين علاقات واشنطن مع إيران هو أيضاً في مصلحة الدولة العبرية، لأنه يمنع إيران من بناء السلاح النووي من دون حرب معها تكون نتائجها مجهولة. كذلك تتمنى واشنطن اقتناع الحكومة الجديدة بمشروع الدولتين في فلسطين التاريخية، والعمل بمساعدة أميركية على تحقيقه. أما المحور التركي، فتبدو العلاقة مع أردوغان صعبة، خصوصاً في ما يتعلق بالحرب السورية.