Site icon IMLebanon

واشنطن وطهران في حكومة واحدة!

   

لا بد من تسجيل وجه شبه بين لبنان والعراق في المشاورات لتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية، ذلك أن بيروت وبغداد تحاولان جمع الماء والنار إلى طاولة واحدة من دون أن يلغي أحدهما الآخر. وأبعد من تحديد الشبه فإن حكام البلدين مضطرون إلى التوفيق بين الولايات المتحدة (ومعها معظم العالم) وإيران (ومعها النظام السوري و “حماس” وتنظيمات عسكرية عراقية) في إدارة الحكم اليومية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً. تجربة غير طبيعية، لكن اللبنانيين والعراقيين يمارسونها على رغم صراع أميركي– إيراني يزداد حدّة ولا يوحي بنقاط التقاء كي لا نقول اتفاقاً.

 

 

هذا الوضع ينعكس بالضرورة فشلاً في الإدارة العامة، فالحكومة موقتة وإن كانت مستمرة من حيث المبدأ، وهي تدير البلد يوماً بيوم وتعجز عن وضع تخطيط وإن محدود في أي مجال من المجالات، ففضلاً عن الخلاف اليومي على الحصص، وهو ما يسِم سلوك السياسيين في لبنان والعراق بعد أهوال الحروب في البلدين، هناك تدوير للزوايا يبدو ضرورياً حين يتعلّق الأمر بما يعني واشنطن وطهران في وقت واحد.

 

ولنا أن نترك العراق لتجربته الجديدة نسبياً في المحاصصة وجمع الماء والنار في وعاء واحد، خصوصاً مع توقّع تأليف حكومة لن تطالب رسمياً بانسحاب القوات الأميركية، استناداً إلى أن السياسيين اللصيقين بطهران مثل نوري المالكي وعمار الحكيم ومعهما حيدر العبادي لا يطلبون علناً انسحاب الأميركيين، في حين تقتصر المطالبة على مقتدى الصدر وبعض قيادات الحشد الشعبي. هناك اختلاط في الأوراق وتحرك غير محسوب في المواقف، لكن النخبة العراقية الحاكمة تبدو مضطرة إلى التكاذب في ما يخص الموقف من الوجود السياسي والعسكري الأميركي ومعارك الشدّ والجذب حول الحصص المتعلقة بالنفوذ، وكذلك بالمال العام.

 

اللبنانيون أكثر عراقة في إدخال الشخصي بالوطني وإلباس المصالح الفئوية لباس المبادئ والأيديولوجيات، لذلك تختلط لديهم الأهداف النبيلة بالأطماع الصغيرة وبالحساسيات الطائفية. ويضجر اللبنانيون يومياً من سماع الشروط والشروط المضادة بين القوى السياسية، ويصل الأمر إلى أحكام إطلاقية مثل إعلان جبران باسيل نهاية الاتفاق مع “القوات”، وتمسّك سمير جعجع بحجم أعطاه الشعب لحزبه ويريد ترجمته في مقاعد الحكومة العتيدة، ومثل تصريحات رئاسة الجمهورية التي ترى حقاً لها مقعد نيابة رئاسة الحكومة وحقائب مخصصة لها، بما يعني إمساك الرئيس بورقة ثلث معطل (11 وزيراً) يرفعها على رأس سعد الحريري وسائر الوزراء. تفاصيل قد تبدو مملة حتى للمواطن اللبناني، لكن الأمر وصل مع وليد جنبلاط إلى حدود مشكلة ميثاقية، فالتوافق الطائفي يعطيه ثلاث حقائب للدروز فيما التوازن السياسي يعطيه حقيبتين فقط. ويبدو أن حل هذه المشكلة ينتظر توافقاً يتعدى الطائفة الدرزية إلى حرص الطوائف الأخرى على عدم المساس بالميثاقية لئلا يصل المأزق إلى أي منها لاحقاً.

 

موزاييك الداخل اللبناني يغطي الاهتمام غير المنظور بتوازنات النفوذ الخارجي العربي والعالمي، لكن الحكم اللبناني المعلّق دائماً تغلب عليه هواجس رئيسية، أولها عبء الوجود العسكري لـ “حزب الله” وصورته السلبية إقليمياً وأوروبياً وأميركياً. وهناك التراجع الاقتصادي الذي تردّى إلى درجات متدنّية يمتنع المعنيون عن التصريح بحقيقتها ويكتفي المواطنون بسماع البيانات المطمئنة لحاكم “مصرف لبنان”. ولا يغيب عن الصورة الخلاف مع إسرائيل على الحدود البحرية والبرية وضغوط النزوح السوري المحرجة اقتصادياً وإنسانياً وسياسياً.

 

لكنْ، هناك إحساس بضمانات عربية ودولية لاستمرار الحد الأدنى من الاستقرار السياسي في لبنان، في المنطقة حيث تتفكك دول ومجتمعات ولا سبيل واضحاً إلى إعادة تكوينها.