ليس من السهولة بمكان طي صفحة الخصومات بين الدول، فذلك يتطلب زمناً ومقدرة وتوافر ظروف لإحداث تحول في مسار العلاقة بين دولة وأخرى، بمعنى تطبيع العلاقات بين دولتين متصارعتين، ناهيك عن استحالة تحويلهما الى حليفتين.
بانهيار الاتحاد السوفياتي، عاش العالم على وهمٍ كبير هو افتراض انتهاء الثنائية القطبية والحرب الباردة ودخول مرحلة العولمة، ليتضح لاحقاً أن هذه الحرب لا تزال قائمة، ولكن بصورة صراع سلمي أكثر خبثاً وخطورة …لا على شيء سوى الاستفادة من العولمة إياها، لتحقيق مصالح خاصة.
على مدى نصف قرن، قاد فيدل كاسترو حرباً على الولايات المتحدة انطلاقاً من حديقتها الخلفية، ثم قرر التنحي لأسباب تتعلق بمرضه وتغيّر الظروف الدولية بانهيار «الحليف» السوفياتي، لكن ذلك لم يتح تطبيع العلاقات بين هافانا وواشنطن إلا بعد سنوات، وعلى الأرجح لفترة لن تطول كثيراً، ذلك أن الظروف التي أنضجت تقارباً بين خليفة كاسترو شقيقه راوول والبيت الأبيض في عهد الرئيس باراك أوباما، تبدو مرشحة لعود على بدء في الخصومة، بوصول الرئاسة الأميركية الى يد دونالد ترامب الذي لم يتردد ونائبه مايك بنس في الاحتفاء بوفاة كاسترو ووصفه بالديكتاتور الوحشي. وضرب الاثنان بذلك عرض الحائط باللياقة التي تقتضيها حرمة الموت، وأيضاً بالجهود التي بذلتها إدارة أوباما بتشجيع من الكنيسة الكاثوليكية، لوضع حد للخصومة التاريخية مع كوبا.
وعلى هذا المنوال، تبدو الخصومة مع إيران مستحكمة، على رغم الجهود التي بذلها الغرب للتوصل الى اتفاق نووي. ومن اللافت، كلام مرشد «الجمهورية الإسلامية» علي خامنئي عن أن تمديد العقوبات الاقتصادية الأميركية علی إيران، «أكثر خطراً» من مرحلة الإعلان عنها، لأن التمديد يأتي بعد التوصل الى الاتفاق النووي، وذلك في إشارة منه إلى خطوة مجلس النواب الأميركي أخيراً، تمديد قانون «داماتو» الذي يحظر التعامل في المشاريع النفطية الإيرانية.
ولم يكتفِ خامنئي بذلك، بل اعتبر أن «الاستعجال في بعض الأعمال لا يعطي الفرصة لدراسة تفاصيل الانجازات»، وذلك في انتقاد واضح لتسرّع الحكومة في التوصل الى الاتفاق النووي من دون الإفساح في المجال أمام دراسة مستفيضة لآليات إزالة العقوبات الاقتصادية في الاتفاق.
يترافق ذلك مع تسريبات من أوساط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مفادها أنه قد لا يسعى إلى نقض الاتفاق النووي مع إيران الذي أُبرم في عهد سلفه أوباما، لكنه سينتهج سياسة تسعى الى التصدي لما وصفته تلك المصادر بـ «التوسع الإيراني» في محيطها الإقليمي. ودلت على هذا التوجه لدى الادارة الاميركية المقبلة، تشكيلة فريق ترامب المعني بقضايا الأمن القومي، ومعظمه من مؤيدي التشدد حيال طهران.
في المقابل، لا تبدو إيران مستعدة لتقديم أي تنازلات في ما يتعلق بنفوذها وانتشارها في الإقليم، بل على العكس، كانت لافتةً الاسبوع الماضي، تصريحات لرئيس الأركان الإيراني محمد حسين باقري قال فيها إن بلاده تدرس إقامة قواعد بحرية في اليمن أو سورية، وذلك وفق تعبيره من باب «ردع الأعداء» الذين لم يسمّهم لكنه لم يفوت مجالاً للدلالة عليهم، من خلال تشديده على ضرورة «التكافؤ مع العدو الاستكباري» وهي تسمية تشير الى الولايات المتحدة.
عليه، لا يبدو أن الاتفاق النووي الذي أبرمته العواصم الكبرى مع طهران، سيؤدي الى تطبيع بين الأخيرة وواشنطن في المرحلة المقبلة ولا هو مفيد في إقناع الكونغرس بأن إيران قد تتحول دولة صديقة، بل قد يتحول الاتفاق الى مجرد دليل لإدارة الصراع مستقبلاً.