يعيش الأركان الأساسيون لفريق 14 آذار في أجواء مفادها أن فريقهم المحلي ــــ الإقليمي ــــ الدولي قد انتصر فعلاً وربح معركته النهائية والحاسمة. غير أن ما يفصلهم عن إعلان النصر هو مجرد عقبة محلية مزعجة لكن محدودة، قابلة للمعالجة والتذليل حكماً.
فالمناخ الطاغي لدى هؤلاء يقول بكل بساطة بالآتي: لقد خسرت إيران معركتها ضد أميركا. لأسباب معقدة ومتشعبة، ولا ضرورة لمسحها وتفنيدها، الأكيد المؤكد أن موازين القوى الشاملة، هي ما فرضت على طهران التوقيع على اتفاق لوزان، وفق شروط واشنطن لا غير.
بعدها، يتابع التفكير الآذاري تحليله وقراءته، حاول الإيرانيون التعويض عن هزيمتهم النووية بتقدم يمني. فأخطأوا التقدير والحساب مرة أخرى. لا بل كان خطأهم جسيماً بين عدن وباب المندب. إذ فتحوا على أنفسهم باب جهنم. وهو باب سيتدحرج إلى أكثر من يمن وإلى أبعد منه.
يلبس الأركان الآذاريون سحنة الجدية والعمق حين يصلون إلى هذا الحد من استقراء تطورات المحيط. يقولون إن القرار الدولي قد اتخذ بكسر إيران في اليمن. ما كان ناقصاً في الأدلة اكتمل قبل يومين في مجلس الأمن. حين صدر القرار الأممي بتغطية الضربة السعودية تحت الفصل السابع، ومن دون فيتو روسي. إذن قضي الأمر، وعاد اليمن إلى الحظيرة السعودية. يتابع الآذاريون، أن الخطوة التالية ستكون سوريا. تماماً كما بدأ يكتب بعض الإعلام الأميركي. خطة سعودية – تركية، فيها تتبيلة مصرية على قطرية على إماراتية، ستصل منتصف الصيف إلى دمشق. التحضيرات التمهيدية قد بدأت يقولون: من اليرموك على أبواب دمشق، إلى إدلب بوابة الساحل ومفتاح قطع الطريق على الانسحاب نحو الدويلة السورية هناك… باختصار، يكاد يجزم الآذاريون أن أواخر الصيف تكون الصورة في سوريا قد تغيرت بالكامل، أو قد انقلبت كلياً… فينتصرون هم، وينتصر خطهم.
تبقى عقبة بسيطة تشغل التفكير الآذاري: لحظة سقوط دمشق المقبل، ماذا سيفعل حزب الله؟ لا تعرض الحسابات الآذارية لإشكالية أين ستصبح «داعش» عندها. ولا لمقارنة بين ما قد يحصل هنا وفق سيناريو انتصارهم، وبين ما سجل في الموصل أو نمرود أو الرقة أو نينوى. غير أن الحسابات الآذارية نفسها تتوقف عند معضلة وحيدة: حين تسقط العاصمة السورية في أيدي «حلفائنا»، سيرد حزب الله بتنفيذ 7 أيار لبناني عام. لا في بيروت وبعض الجبل وحسب. بل في كل لبنان. دفاعاً عن نفسه في مواجهة «عاصفة الحزم» المتدحرجة صوب عقر داره. عندها ستكون فوضى لبنانية عظيمة. هي كل ما يجب التحسب له والتحوط لتجنبه منذ الآن. كيف ذلك؟ عبر وسيلتين اثنتين لا غير: أن يكون الجيش اللبناني على مستوى كاف من التسليح والجهوزية القيادية لردع حزب الله ميدانياً. وأن تكون القوى اللبنانية كافة على مستوى من التعبئة الإعلامية لردعه سياسياً. بعدها تنتهي الأزمة جذرياً، ويعيش اللبنانيون أحلى عيشة!
المطلعون على أجواء واشنطن تصيبهم تلك القراءة بنوبة من الضحك المتفجر. يجزمون بأن أصحابها لم يلتقوا مسؤولاً من أهل العاصمة الأميركية منذ زمن. فهؤلاء لا ينفكون هذه الأيام يسألونك: ماذا اصاب السعوديين؟ هل جنوا؟ ماذا يفعلون في اليمن؟ هل قرروا الانتحار؟ يقول أهل واشنطن بوضوح إن أي موقف سلبي من الرياض لن يصدر علناً من عندهم. لا بل سيتم تشجيع السعوديين على ما تورطوا فيه في اليمن. هي الطريقة الفضلى لحرفهم عن عرقلة الاتفاق الأميركي ــــ الإيراني. وللحؤول دون إبرام تحالف معلن بينهم وبين اسرائيل، لإجهاض إنجاز لوزان. فليتلهوا في عدن، وليغرقوا في خليجها. لا مشكلة في ذلك ولا ضرر. ثم يعود الأميركيون إلى السؤال: لكن فعلاً هل صار السعوديون مجانين؟ هل يعتقدون أننا سنؤيدهم في تفشي بيئات الإرهاب التي حضنوها، حول كل العالم؟ صحيح أنه كانت لدينا مشاكل وأزمات مماثلة مع إيران. لكننا كنا نعرف دوماً أنها مرتبطة برأس واحد. بقرار واحد. حين نتفق مع هذا الرأس حول هذا القرار، تنتهي كل مشاكلنا. وهذا ما حصل فعلاً على الجبهة الإيرانية. في المقابل، من يحدد لنا من هو صاحب القرار في البيئة الحاضنة للإرهاب القاعدي الداعشي؟ مع من نتفاوض لنعالجه جذرياً؟ مع السعودية؟ مع تركيا؟ مع باكستان؟ مع مصر؟ مع الإخوان؟ مع السلفيين؟ مع مئة رأس ورأس؟ سنتركهم يصفون بعضهم بعضاً. وسنتفرج. يقولون بصراحة: صحيح أن لا أعداء للرياض في واشنطن. لكن أيضاً لا حلفاء لها هنا في حروبها هناك. حتى أن كلام الرئيس أوباما كان صريحاً. قلنا لهم إن عدوهم ليس إيران، بل أنظمتهم وقهرهم لشعوبهم. وهم يعرفون ذلك. بدليل أننا أثناء زيارتنا الأخيرة إلى الرياض ــــ أي زيارة أنطوني بلينكن والوفد المرافق ــــ لم يتجرأ أي مسؤول سعودي على مفاتحتنا بمضمون ما قاله أوباما. فيما اكتفى باستيضاحنا حول الموضوع مسؤول إماراتي، وبشكل عابر. لمجرد أن ندرك أنها رسالة سعودية مطلوبة منه، ولنسجل له أنه أبلغنا الرسالة…
هكذا يخطط الآذاريون لاجتياح الرياض لدمشق. فيما يسكت أهل واشنطن لحظات، قبل أن تعود البسمة إلى وجوههم وهم يسألون: هل جُنَّ آل سعود؟!