رغم تأكيد الجانبين الاسرائيلي وحزب الله في آن واحد عن عدم اهتمامهما بوقوع حرب في الوقت الحالي، إلا أنّها في الواقع قريبة وآتية لا محالة بحسب ما يوحي به تطور الامور ،في حال اكتملت كل شروط مواجهة تغيير المعادلات والتوازنات القائمة في المنطقة،عشية ما يجري تحضيره من تسويات على نار ملتهبة.
غير ان ما يعطي مقدارا اكبر من المصداقية هذه المرة ،التوقعات السائدة بأنّ يتراجع تدخّل حزب الله في سوريا ،من جهة، وارتفاع حدة المواجهة الاميركية – الايرانية، التي يمكن ان يثيرها إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي في أيار القادم، أو عبر زيادة التوتر بين السعوديين والإيرانيين بسبب الصواريخ التي أطلقها الحوثيون في اليمن باتجاه الرياض، والقناعة بأنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيتصرّف بشكل مغاير للرؤساء الذين سبقوه، في حال تعرّض الإيرانيون للمصالح الأميركية.
من هذا المنطلق بدأ الاعلام الاسرائيلي يركز على مقولة «اعتبار اسرائيل الولاية الـ51»، بعد مناورات «جينفر كوبر» الاخيرة وما رافقها من مواقف عسكرية اميركية عن استعداد واشنطن للدفاع عن الدولة العبرية، في حال تكرر سيناريو العراق عام 1991، حين ردّ نظام الرئيس صدام حسين بإطلاق 40 صاروخ «سكود» على إسرائيل عندما ضربت أميركا العراق.
كلام يتزامن مع الاعتراف الاسرائيلي لاول مرة على لسان رئيس الاركان الجنرال غادي ايزنكوت، منذ اسقاط طائرة الـ«اف 16». منذ حوالى الشهر والنصف، عن عودة عمليات سلاح الجو فوق الاجواء السورية، دون ان يوضح طبيعة المهام التي يقوم بها، معتبرا ان ذلك يشكل رسالة ردع وتحذير لطهران من الاقتراب من حدود منطقة الجولان.
ومع تصاعد الحديث عن الحرب الموعودة صيفا، كما كل عام، تكثر السيناريوهات حول استراتيجية خوضها الافعل، مع ظهور نظرية جديدة في الاوساط العسكرية الاسرائيلية تتحدث عن ضرورة الاستفادة من دروس حرب العام 1967 وليس فقط حرب تموز 2006، حيث كان القتال في «حرب الايام الستة» على جبهة واسعة وبعديد قوى كبير جدا سمح باحتلال مساحات من الاراضي، وهو بالضبط الخطة العسكرية المطلوبة كما تؤكد التقارير الاسرائيلية، والناجحة في اي قتال مقبل مع حزب الله في حال صدر القرار بانهائه.استراتيجية تعني عمليا استخدام قوات برية كبيرة من المشاة والمدرعات لاحتلال مناطق لبنانية على طول الحدود وبعمق لا يقل عن 40 كلم، كما تقول التقارير الاسرائيلية.
وإذا تحولت تهديدات رئيس الأركان الإسرائيلي إلى واقع، فمن المستبعد أن تنفذ تل ابيب من جانبها عملية ردع أخرى، وهو الخيار التقليدي الذي اتبعته خلال حروبها في العشر سنوات الأخيرة ، وهي العملية التي تسعى من خلالها لإحداث ضرر محدود بخصومها لإحباط الجولات المستقبلية من الصراع،بل ستسعى الى اتباع استراتيجية يسميها المخططون الإسرائيليون بقرارات «ساحة المعركة» أو «النصر العسكري الكامل على الأرض» مصحوباً بصور الانتصار.
الا ان هذا السيناريو ليس بالبساطة التي صورها البعض، رغم ان نقطة اساسية تلعب لصالح اصحاب هذه النظرية، وهي تحول حزب الله الى نمط قتال الجيوش تشكيلات وتسليحا، رغم ان الظروف قد تغيرت. فقد اكتسب الحزب من مشاركته في الحرب السورية قوةً وخبرة وتمرس في العمليات القتالية في ظروف مناخية وطبيعية وجغرافية مختلفة وانماط قتالية متنوعة، كما انه بات يمتلك الكثير من السلاح المتطوّر من إيران وسوريا والصين وروسيا، إضافةً الى طائرات بدون طيّار وصواريخ قادرة على استهداف مدن وبوارج ومقاتلات إسرائيلية. يضاف الى كل ذلك ازدياد وتوسع رقعة التحالفات لكل من تل ابيب وحارة حريك.
وبحسب المحللين يبقى الاخطر في ردة الفعل الاسرائيلية ،في ظل القيادة المتطرفة الموجودة حاليا ، الرد الاسرائيلي المتوقع كتعويض عن اهتزاز الجبهة الداخلية ،مع السيطرة على مدينة أو قرية إسرائيلية مؤقتا، وانطلاق آلاف الصواريخ الموجّهة مستهدفة مواقع إسرائيلية إستراتيجيّة مثل مطار بن غوريون، ومنصات للغاز والنفط في البر والبحر، ومحطات كهرباء ومياه، معاقل للجيش الإسرائيلي في تل أبيب، خزانات الامونيا في حيفا ومفاعل ديمونا النووي، اذ تشير كل المعطيات الى ان استهداف الدولة اللبنانية كمؤسسات هذه المرة سيكون عماد استراتيجية الرد التي لن تتوقف عند حدود البنية التحتية.
وفي هذا الاطار تؤكد مصادر لبنانية الى ان بيروت تأخذ على محمل الجد التهديدات الاسرائيلية في هذا الخصوص، وهي قامت باتخاذ كل الخطوات اللازمة في هذا المجال وهي على تنسيق دائم بعواصم القرار الاساسية كما مع قيادة قوات الطوارئ الدولية، كاشفة ان المجتمع الدولي بات اكثر انحيازا وتفهما للبنان من السابق، نتيجة ما لمسه من تعامل من قبل الدولة اللبنانية، وخصوصا من قبل الولايات المتحدة، التي تقصد مساعد وزير خارجيتها لشؤون الشرق الاوسط دايفيد ساترفيلد الاعلان من تل ابيب عقب الازمة الحدودية الاخيرة،ان المس بالجيش اللبناني خط احمر كونه جيش حليف وصديق وهو الضامن لاستقرار لبنان وسيادته.