Site icon IMLebanon

واشنطن لا تستطيع إلغاء حزب الله من الخارطة السياسيّة

لم تخض إسرائيل حروبها ضدّ لبنان منذ العام 1987 بهدف القضاء على  حزب الله، فيومها لم يكن الحزب قد أنشىء بعد، غير أنّه بات هدفاً من أهدافها لاحقاً، بحسب ما يُعلن مسؤولوها، كونه استطاع أن يُشكّل قوة رادعة أمام قوّاتها العسكرية، الأمر الذي يدفعها أكثر فأكثر الى وضع المخططات وشنّ الحروب للتخلّص منه. إلاّ أنّ السبب الرئيس الذي يجعل إسرائيل مصرّة على هذا الأمر بالذات هو إبعاد الخطر عنها كدولة يهودية تريد البقاء في المنطقة، وإن كانت مرفوضة من دول عربية عدّة محيطة بها (ومقبولة من البعض الآخر مع الأسف).

لكنّ عدم تمكّن إسرائيل من القضاء على حزب الله، جعلها وفي الوقت نفسه الذي تستكمل فيه تهديداتها له بشنّ حرب جديدة عليه، تفرح وتُهلّل للثورات العربية التي خلقت الفوضى في دول المنطقة، وزعزعت كيانها وهزّت الثقة القائمة بين شعوبها وحكاّمها، وتسعى لكي تبقى الصراعات قائمة فيها لأطول فترة ممكنة. فالصراع السنّي- الشيعي الذي تشهده اليوم بعض دول المنطقة وقد امتدّ الى لبنان، بعد أن كان الصراع فيه طوال سنوات الحرب التي شهدها منذ منتصف السبعينات حتى التسعينات دينية بين المسلمين والمسيحيين، وليس طائفية بين السنّة والشيعة، هو الأمر الذي تُراهن إسرائيل على استمراره لكي تبقى هي بمنأى عن كلّ أزمات المنطقة.

ولم يقم الجانب الإسرائيلي بخلق هذا الصراع، على ما تؤكّد أوساط ديبلوماسية عليمة، بقدر ما أحدثته الولايات المتحدة الأميركية من أجل إراحته، وإعادة الطمأنينة له لا سيما بعد حرب تموز- آب 2006 التي هزّت كيانه وتسبّبت بخلافات سياسية وعسكرية داخلية تمحورت حول الفشل في مواجهة الحزب. وقد عرف كيف يستفيد من هذه الفترة لوضع الخطط المستقبلية لشنّ حرب جديدة على  حزب الله، وللتفرّج على ما يحصل في المنطقة من أزمات وحروب وهو بعيد بشكلِ تام عنها.

كما جعلته بالتالي بمنأى عن الإرهاب الذي يُهدّد لبنان ودول المنطقة، كما دول الإتحاد الأوروبي، من خلال دعمها للتنظيمات الإرهابية وعدم العمل فعلياً من أجل القضاء عليها. الأمر الذي يطرح جدية العلاقة بين تنظيم «داعش» وأخواته والجانب الإسرائيلي، لا سيما وأنّه الوحيد الذي يسلم من تهديداتهم ومن التفجيرات الإنتحارية التي تطال كلّ الدول التي تُخالف شريعتها ودينها السنّي المتطرّف.

أمّا فكرة القضاء على حزب الله والتي تدخل من ضمن أحلام الجانب الإسرائيلي التي لم يستطع تحقيقها، على ما أوضحت الأوساط نفسها، فلا تنفكّ الولايات المتحدة تسعى اليها، وذلك من خلال التضييق على عناصر الحزب وفرض العقوبات المالية والإقتصادية عليهم، كون الحزب مدرج على اللائحة السوداء الأميركية، أي على لائحة الإرهاب. فيما لا تجد إسرائيل بنظامها وكيانها إرهابية، رغم كلّ الحروب التي شنّتها على لبنان، والمجازر التي ارتكبتها بحقّ اللبنانيين والفلسطينيين الذين هجّرت عدداً كبيراً منهم واستوطنت أرضهم، وفرضت الحصار على كلّ من تبقّى في الأراضي الفلسطينية، ولا تزال تستوطن وتعنّف وتقتل حتى الساعة.

وفيما يتعلّق بعرقلة انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان من الجانب الأميركي، كون حزب الله يلعب دوراً رئيسياً في هذا الإستحقاق، مثل دعمه لبعض المرشّحين المقرّبين من فريقه السياسي، أو تخلّف كتلته النيابية عن حضور الجلسات الإنتخابية، أو عرقلة اكتمال النصاب القانوني لها وما الى ذلك، فإنّ هذا الأمر لن يُصبح مختلفاً مهما حاولت الولايات المتحدة تمرير الوقت من دون انتخاب الرئيس.

فوجود  حزب الله  في الحياة السياسية، قبل العسكرية منها، هو من صلب وجوده في هذا البلد، وإخراجه من اللعبة السياسية، على ما أشارت الأوساط ذاتها، يعني إزالته من لبنان. وهذا الأمر لن يحصل في هذه المرحلة بالذات، على ما تسعى الولايات المتحدة إرضاء للجانب الإسرائيلي، لا سيما بعد التوقيع على الإتفاق النووي الإيراني- الغربي الذي تدخل فيه أميركا بالدرجة الأولى، حتى سُمي بالإتفاق الإيراني- الأميركي.

ولو أراد الحزب التنحّي عسكرياً وضمّ سلاحه الى سلاح الدولة الشرعي فهو الذي يُقرّر أن يفعل ذلك، على ما تقول الاوساط، وقد لا يتمّ هذا الأمر سوى بعد تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا من الإحتلال الإسرائيلي، وبعد أن يكفّ الجانب الإسرائيلي شرّه عن لبنان، ويلتزم بتطبيق القرار الدولي رقم 1701.

من هنا، فإنّ الحديث عن أنّ الولايات المتحدة ستُلغي  حزب الله من الحكومة ومجلس النواب، أي من الحياة السياسية اللبنانية، هو أمر مبالغ به، على ما عقّبت الاوساط، وإن كان يُشكّل هدفاً لها أيضاً، خصوصاً وأنّها وقّعت على الإتفاق النووي مع إيران رغم اعتراض إسرائيل العنيف عليه، وتخوّفها من عدم التزام إيران ببنوده واستخدامها اليورانيوم في أي حرب مقبلة ضدّها، وما الى ذلك من مخاوف.

أمّا البيان الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي بخصوص الأزمة الرئاسية في لبنان، والذي دعا المسؤولين اللبنانيين الى إبداء المرونة اللازمة فيما يتعلّق بالإنتخابات، فهو ليس ملزماً، على ما ذكرت الأوساط، وقد تأخذ به الأطراف اللبنانية أو لا.

من هنا، فلا شيء يُحرّك الجمود السياسي القائم في لبنان، سوى الإتفاق بين السعودية وإيران، وتوافقهما على عدم إلغاء أي طرف للآخر، وتوقّف كلّ من الطرفين عن شدّ الحبال فيما يتعلّق بالأزمة الرئاسية فيه، كما بأزمات دول المنطقة مثل سوريا والعراق واليمن وسواها. فبقاء هذه الأزمات واستمرار تداعياتها على دول الجوار، من شأنه أن يُبقي دول المنطقة ككلّ في حال مستمرّة من الفوضى والبلبلة الى أجل غير مسمّى.