IMLebanon

واشنطن تختار طهران في زمن الأصوليات

يتخطى الاهتمام الاميركي بالتفاوض مع ايران المسألة النووية. اختيار واشنطن لطهران يثير التساؤلات عن ماهية الثقة التي كانت خلف سعي الولايات المتحدة الى التفاوض مع غريمتها الأولى على ملفات المنطقة

لم يعد الحوار الاميركي ــــ الايراني نظرياً، وان لم تتخطّ العلاقة بين البلدين ازمة رهائن السفارة الاميركية في طهران، ولا تفجيرات بيروت وخطف الرهائن الاميركيين فيها.

لم ينس الاميركيون هذه المحطات المصيرية في العلاقة بين البلدين. ولا تمر فرصة الا يذكّرون بها، على غرار ما حصل في التسريبات الاخيرة عن مشاركة واشنطن في اغتيال المسؤول العسكري لحزب الله عماد مغنية «المتهم بتفجيرات بيروت». ولم تتغاض واشنطن، برغم الحوار الجاري بين الطرفين، عن سعيها الى ان تدفع ايران ثمن «أفعالها» عقوبات اقتصادية شديدة.

لكن البراغماتية الأميركية في زمن صعود التنظيمات الاصولية، من افغانستان الى افريقيا والعراق وسوريا، وما يحصل من تطور دراماتيكي على خط واشنطن ــــ طهران، يفتح كل يوم الباب على المزيد من النقاشات والاسئلة عند المحللين السياسيين في عواصم اساسية، حول مفاتيح هذه العلاقة وما تعنيه ايران اليوم لواشنطن، وهل استبدلت الاخيرة حلفاءها التقليديين بايران. لا يخرج لبنان والمحللون فيه عن هذا المسار، لكونه احدى اهم الساحات التي يمكن ان ترتد فيها هذه العلاقة سلباً او ايجاباً، ولا سيما لجهة دور حزب الله في اي اتفاق – اطار سياسي بين البلدين.

لماذا اهتمام واشنطن اليوم بايران؟

في قراءة لبنانية لهذا الاهتمام، ثمة خطوط رئيسية رسمت اطار العلاقة الجديدة:

1ــــ الفكرة الاميركية الدائمة بضرورة ايجاد توازن اسلامي بين عالمين سني وشيعي وبين مرجعيتي مكة والمدينة وقم والنجف، ليس بالمعنى الديني والشعائري، بل بالمعنى السياسي البحت. وهذا التوازن يحقق للولايات المتحدة، بعد عقود من الحلف مع دول الخليج العربي والاردن، اعادة قراءة المتغيرات في المنطقة من منظار جديد، وخصوصا بعد التوسع الذي حققته ايران من الخليج الفارسي الى المتوسط.

2ـــ في التاريخ الحديث، برهنت طهران انها ليست نظاماً انتحارياً. هي ليست العراق صدام حسين، ولا ليبيا معمر القذافي، وحكماً ليست سوريا بشار الاسد. بهذا المعنى، اثبتت طهران في تجربتها السياسية الحديثة، منذ الثورة الاسلامية، انها لم تذهب الى الموت مجانا. فهي، وان بقيت دائما على حافة الهاوية، إلا أنها عرفت في اللحظات الاخيرة كيف تدوّر الزوايا، وتنجح في استخلاص العبر مما يجري في الشرق الاوسط، لتبقى على قيد الحياة.

3ــــ اظهرت طهران انها تفي بالتزاماتها التي تتعهد بها، تجاه من تعهدت له. وتذكيراً بحربي افغانستان والعراق اللتين لم يكن ممكنا شنهما من دون دور ايراني فاعل، لكنها انقلبت على الاميركيين في العراق حين لمست انهم يريدون تغيير الاستراتيجية المتفق عليها في بلاد ما بين النهرين، وحين شعرت، وهذا هو الاهم، بالخطر على مصالحها في سوريا ولبنان. وهذا ما تأكد بالنسبة اليها بعد اغتيال الرئيس فريق الحريري والارتدادات التي احدثها على حزب لله وايران، في دمشق وبيروت.

في المقابل، لم تكن دول الخليج دوماً على مستوى ما تريده واشنطن في تحقيق مصالحها في منطقة الشرق الاوسط، ولا سيما مع صعود التنظيمات الاصولية من رحمها وانفجار عنفها في الشرق الاوسط واوروبا. وما فعلته الامارات العربية المتحدة اخيراً يمثّل مثالاً معبراً، اذ انها ما كادت تدخل، ولو في صورة محدودة، في التحالف الغربي ــــ الخليجي ضد تنظيم «داعش» حتى علقت مشاركتها فيه، وعادت لاحقا بخجل من بوابة الاردن.

4ــــ لا يجوز الاستهانة باللوبي الايراني (الفارسي) في الولايات المتحدة وبالطبقة الاكاديمية فيها، التي أدت ايضاً دورا في زرع فكرة العلاقة الاميركية ـــ الايرانية واستثمارها، اذ تمثّل ايران (الامبراطورية الفارسية القديمة) في الوعي الغربي الدولة التي ساهم الاميركيون والبريطانيون والالمان في بنائها ايام شاه ايران الراحل رضا بهلوي، ولا تزال، بالنسبة اليهم، مع كل المتغيرات التي عاشتها الجمهورية الاسلامية – الفارسية.

لقد شغلت ايران العالم العربي واسرائيل بالقنبلة النووية لسنوات، فرُسمت الاستراتيجيات في المنطقة على هذا الاساس، وباتت المنطقة تعيش على وقع مواعيد التفاوض او الحروب بين طهران وواشنطن. حتى في لبنان كانت العلاقات السنية ــــ الشيعية تتأرجح وفق التواريخ التي تعقد فيها لقاءات التفاوض، لكن فيما كان الشرق الاوسط يترقب المفاوضات ومسارها التصاعدي، كانت طهران ترسم استراتيجية مختلفة، لانهاء التفاوض حول البرنامج النووي السلمي والوصول من العراق الى المتوسط من جهة، والى الولايات المتحدة من جهة اخرى. اهداف ثلاثة تتحقق تدريجا، فيما يُشغل العالم العربي بتنظيم «داعش» وبملاحقة اخبار الذبح والقتل والحرق.

لكن الى اين يمكن ان تصل طهران وواشنطن بهذا الحوار؟

حتى الان كل ما يحدث يؤشر الى الوصول الى اتفاق اطار سياسي يُفترض ان يقر من الان حتى نهاية آذار المقبل. وقد حدد الرئيس الاميركي باراك اوباما في الاستراتيجية الجديدة للامن القومي للسنتين الباقيتين من عهده التزامه استمرار التفاوض مع ايران. ما تريده ايران هو تأكيد وجودها ونفوذها من العراق الى سوريا ولبنان وفلسطين، وما تريده واشنطن هو التفاهم على نوعية هذا النفوذ ودور القوى الموالية لايران، وفي مقدمها حزب الله. وعند هذه النقطة، سيكون هناك مجال لمفاوضات متشعبة ودقيقة. وحتى يحين موعدها، سيكون امام واشنطن انتظار ما يمكن ان تحققه ايران وحزب الله في سوريا، لأن التسوية حين تنضج ستكون مزدوجة بعدما اصبح للحزب قاعدة ودور فاعل في سوريا بعد لبنان.