شكّل تصويت الكونغرس الأميركي على تصدير النفط الأميركي مؤشرا للسيطرة الأميركية على سوق النفط العالمي. هذه السيطرة تتميّز عن غيرها بأنها تُغطي سوق العرض وسوق الطلب بحيث أن الولايات المُتحدة الأميركية أصبح لديها أداة جديدة لفرض سياستها عالمياً.
يتميز سوق العرض العالمي للنفط بإنقسامه بين قطبين أساسيين: الأول دول الأوبك والثاني الدول النفطية غير المُنتمية الى هذه المُنظمة. ويُنتج القطب الثاني ما يزيد عن 53% من الإنتاج العالمي بقدرة إنتاجية مُستخدمة بشكل كامل.
ويُستخدم الأساس من هذا الإنتاج في إقتصادات الدول المُتطورة. في حين أن دول الأوبك تُنتج النفط بنسبة 47% من الإنتاج العالمي ويذهب قسم منه إلى الإقتصادات الُمتطورة والقسم الأخر إلى الدول النامية وفي طور النمو.
تتميز دول الأوبك بإحتوائها على قدرة إنتاجية غير مُستخدمة سمحت لها بالتلاعب بأسواق النفط من خلال العرض، وهذا أدّى إلى سيطرة المُنظمة على الأسعار العالمية بشكل حصري.
هذا الأمر يأتي من منطلق أن إقتصادات دول الأوبك هي إقتصادات غير مُتطورة مثل الأميركية والأوروبية وبالتالي فإنها لا تستهلك هذا النفط، الذي يُشكل أكثر من 80% من مداخيلها، إلا في النقل والإستهلاك المنزلي والصناعي ولكن بشكل ضئيل.
كان النفط الأحفوري ولقرن ونيف، المصدر الأساسي الذي غذّى الثورة الصناعية.
وأصبح دوره إستراتيجيا مع إندماجه في الحياة العصرية للإنسان. وبالتالي، أصبح النفط للعديد من الإقتصادات المُتطورة عنصراً أساسياً جعل الدول تُصنفه كمادة إستراتيجية بإمتياز تخوض الحروب من أجله على مثال كل الحروب التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط (حرب إيران والعراق، حرب الخليج، الحرب السورية…).
وأعطى النفط الصخري الى البلدان المُنتجة دوراً إستراتيجياً على الخارطة السياسية العالمية حيث أصبحت الأنظمة الموجودة في هذه البلدان محمية (ولو بشكل غير مُعلن) من أي خضة سياسية أو أمنية.
وساعد هذه البلدان الكلفة المُنخفضة نسبياً لإستخراج النفط حيث أنه وفي دولة كالكويت، تبلغ كلفة إستخراج برميل النفط 8 دولارات أميركية مُقابل 38 دولارا أميركيا في الولايات المُتحدة الأميركية.
لكن، ومنذ بزوغ فجر النفط الصخري والتطور التكنولوجي الذي وصلت إليه الصناعة النفطية الأميركية غيّر موازين القوى مع زيادة الإنتاج الأميركي بشكل كبير في الأعوام الثلاثة الماضية، وبلغ أوجه في العام 2015 مع أكثر من 12.5 مليون برميل نفط صخري يومياً.
هذا الواقع ومع تردي الأوضاع الاقتصادية العالمية، دفع الكونغرس الأميركي تحت ضغط الجمهوريين إلى السماح للشركات الأميركية بتصدير النفط بعد إنقطاع دام أكثر من 40 عاماً على خلفية أزمة النفط في العام 1973.
في بدء عصر النفط الصخري، كانت كلفة إستخراج برميل النفط الصخري تفوق المئة دولار. ومع التطور التكنولوجي إنخفضت هذه الكلفة لتبلغ 70 دولارا أميركيا مع أسعار نفط عالمية في حدود الـ 110 دولارات. وفي العامين الماضيين، إستطاعت الشركات النفطية الأميركية خفض هذه الكلفة بنسبة 40% لتصبح كلفة إستخراج برميل النفط الصخري في الولايات المُتحدة الأميركية توازي الأربعين دولاراً للبرميل الواحد.
اليوم، ومع أسعار تُقارب الـ 38 دولارا أميركيا للبرميل، يُمكن القول أن الأمر غير مُربح للشركات الأميركية. لكن معرفة أن هذه الشركات تعمل على خفض الكلفة أكثر والضغط الذي مارسه الجمهوريون للسماح بتصدير النفط الأميركي، يؤشر الى أن التكنولوجيا الجديدة أصبحت شبه جاهزة.
وهنا يُمكن النظر إلى الأمر على أساس أنه نقلة نوعية في تاريخ الولايات المُتحدة الأميركية من ناحية أنه أصبح لها قدرة إنتاجية غير مُستخدمة حالياً خصوصاً أنها زادت في الشهر المُنصرم أكثر من 17 منصة جديدة لإستخراج النفط الصخري.
هذه القدرة ستسمح بدون أدنى شك للولايات المُتحدة الأميركية بالمنافسة مع دول الأوبك في التأثير على الأسعار يُساعدها في ذلك إقتصاد ضخم يستفيد من إنخفاض أسعار النفط وفي الوقت نفسه من ارتفاع أسعار النفط.
إذاً أصبحت الولايات المُتحدة الأميركية لاعبا أساسيا في سوق النفط العالمي بشقيه العرض والطلب. والجدير بالذكر أن الولايات المُتحدة الأميركية هي من أكبر مُستهلكي النفط في العالم ويتعلق بها العديد من الدول المُنتجة للنفط كالمكسيك وفنزويلا وكندا وغيرها.
وبالتالي أصبح للولايات المُتحدة الأميركية أداة جديدة تستطيع فيها السيطرة على الأنظمة السياسية في البلدان التي تُنتج النفط من ناحية أنه يكفي أن توقف إستيراد النفط من البلد المعني لينهار هذا البلد خصوصاً وأن معظم الدول المُنتجة للنفط لا تمتلك إقتصادات متطورة وبالتالي تعتمد على مداخيل النفط. ولا يُشكل إيقاف إستيراد النفط من البلد المعني أي مُشكلة للولايات المُتحدة الأميركية بحكم أنه يُمكن لها أن تسدّ حاجاتها داخلياً من إنتاجها الخاص.
هنا نستنتج الحنكة الأميركية في التخطيط الاقتصادي والذي دفعها إلى أن تكون لاعبا أساسيا في إنتاج النفط ولاعبا أساسيا في الإستهلاك. وهذا الأمر يجعلها فريدة من نوعها بسيطرتها على السوق بشقيه وبالتالي أصبح تأثيرها كبيراً على الأنظمة السياسية العالمية ولن تتردد في إستخدام هذه الأداة الجديدة مع الأدوات التي تستخدمها حالياً أي الدبلوماسية، العقوبات الاقتصادية، والماكينة العسكرية.
نعم يُمكن القول أن الولايات المُتحدة الأميركية إرتقت إلى رتبة دولة فوق الدول العظمى وإستطاعت خلق أداة ضغط جديدة لها مفعول أقوى من مفعول الماكينة العسكرية مع كلفة أقل.
وبالتالي، من المُتوقع أن تعمد الولايات المُتحدة الأميركية، خصوصاً مع حرب الأسعار التي تعيشها دول منظمة الأوبك وبين دول المُنظمة وروسيا، إلى إستخدام هذه الأداة الجديدة ضد العديد من الدول التي تُعارض سياستها كالصين التي لن تتأخر على شنّ حرب عملات جديدة ستظهر ملامحها في العام 2016 كنتيجة لرفع سعر الفائدة في الولايات المُتحدة الأميركية.
هذه الزيادة في سعر الفائدة والتي ستتبعها زيادات أخرى في العام 2016، سيكون لها تأثير سلبي على الإستثمارات في الدول النامية وتحديداً في الصين ما سيدفع هذه الأخيرة إلى خفض قيمة عملتها اليوان بهدف ضرب الصادرات الأميركية إلى الصين وتحفيز صادراتها إلى الولايات المُتحدة الأميركية.
ولن يقتصر إستخدام هذه الأداة على الصين بل سيشمل كل من روسيا، فنزويلا، العراق وإيران وغيرها من الدول التي تعتبرها الولايات المُتحدة الأميركية من الدول «المُشاغبة».