تسريبُ إسم مايكل راتني لتوَلّي منصب المبعوث الأميركي إلى سوريا ليحلّ محلّ دانييل روبنشتاين الذي سيُعَيَّن سفيراً لواشنطن في تونس، يعكس إصراراً على إبقاء ملفّ الأزمة السورية مفتوحاً إلى أجلٍ غير مسمّى.
ما جرى في سوريا منذ شهر حتى اليوم أعطى العرب دفعةً من الثقة بإمكانية تغيير دفّة المشهد هكذا علّقَت أوساط ديبلوماسية عربية على هذا التسريب الذي لم تحسمه بعد إدارة الرئيس باراك أوباما، واعتبرَت أنّ إبقاءَ هذا المنصب في إطار مكتب الشرق الأدنى في الخارجية الأميركية هو بمثابة حصرٍ لمهمّاته في التواصل مع المعارضة السورية، وليس لدفعِ الاتّصالات لحَلحلة الأزمة السورية.
في المقابل، توقّعَت تلك الأوساط أن لا تفضيَ الاتّصالات التي جرَت بين نائب مساعد وزير الخارجية أنتوني بلينكن والمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان ديمستورا ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان، للبحث في إقناع إيران بتسهيل الحلّ فيها، إلى أيّ نتيجة.
فالتطوّرات التي طغَت على المشهد الإقليمي وفي داخل سوريا، أجبرَت واشنطن على إعادة تحريك «المياه الراكدة» في هذا البلد، بعدما بلغَ تهميشها هذا الملف، حدّاً يُنذِر بتفلّت الأوضاع بشكلٍ تصعب السيطرة عليه.
واعتبرَت الأوساط أنّ إعلان ديمستورا دعوةَ إيران للمشاركة في جولةِ المناقشات استعداداً للتحضير لـ»جنيف 3 « هو تجاوُز لِما جرى ويَجري، سواءٌ في سوريا أو العراق أو اليمن، مشَبّهةً دورَه بدور زميلِه جمال بن عمر، المبعوث الدولي السابق إلى صنعاء.
وأشارت إلى أنّ واشنطن تبَلّغَت التحفّظات العربية، مُقلّلةً من احتمال أن تسفرَ تلك «المناقشات» عن نتائج إيجابية، ما لم تقتنع إيران باستحالة تحقيق مشروعِ هيمنتِها في المنطقة، فيما هي غارقة في لَملمةِ خسائرِها.
فما جرى في سوريا منذ شهر حتى اليوم أعطى العربَ دفعةً مِن الثقة بإمكانية تغيير دفّة المشهد، أو على الأقلّ تحسين شروط التفاوض، فيما هم مقتنعون بأنّ قلب الطاولة برُمّتها على طهران، دونَه عقبات سياسية واستراتيجية وموضوعية لا يُستهان بها بعد النجاحات التي حقّقَتها على مدى سنوات من هجومِها على المنطقة وتمدّدِها فيها.
تُحاذِر أوساط أميركية رسمية التوسّعَ في تقدير الموقف الراهن، في ما بات يوصَف «بالوقت الضائع» من الآن وحتى توقيع الاتّفاق النووي مع إيران بعد شهرين. فهو وقتٌ قد يحمل مفاجآت كثيرة، خصوصاً أنّ وتيرة الأحداث المتتالية يَصعب التكهّن باتّجاهاتها.
وتتوقّع تلك الأوساط أن تكون القمّة الخليجية – الأميركية المرتقَبة منتصَف الشهر المقبل عسيرةً، مع تعاظم مخاوف الرئيس الأميركي باراك أوباما من أن تتمّ الإطاحة بجهوده للتوصّل إلى اتّفاق مع إيران، فيما هي عاجزة عن هضمِ «التقليم» الكبير الذي جرى لقِواها في كلّ من العراق وسوريا واليمن.
فلا هي قادرةٌ على حسمِ المواجهة في العراق من دون الدعم الأميركي، أو على ردّ الانهيارات المتتالية للنظام السوري، بعد انسحاب الميليشيات العراقية من سوريا، وتآكل قدرات «حزب الله» وتعبِه في لعبة الكرّ والفَرّ، ولا هي تمَكّنَت مِن إنجاد حليفِها اليمني، في وقتٍ تعمَل فيه السعودية على إعادة خلط أوراق التحالفات في هذا البلد واستكمال تدمير ترسانة أسلحةِ الحوثيين وحلفائهم وشلّ قدراتهم.
يقول بعض المحللين إنّ ما يجري قد يكون جزءاً مِن السياسة الأميركية التي تعمل على خلقِ توازن سياسي واستراتيجي بين قوى المنطقة، الأمر الذي يضمن لها مستقبلاً الحفاظَ على «إنجازها النووي» وعلى الإمساك بالورقتين الإيرانية والعربية، وتفرض على الجميع العودةَ إلى طاولة المفاوضات وفق معادلةٍ دقيقة قد تحتاج سنوات لضمان عملِها بشكل سليم.
لكن هناك من يحذّر من أنّ هذا السلوك قد يكون وصفةً لاستمرار حالةِ اللااستقرار في المنطقة، فيما تَعِدُ طهران نفسَها برفع العقوبات الاقتصادية والماليّة عنها، ما قد يتيح لها مواصلةَ سياسة الابتزاز والتدخّل لسنوات طويلة، قبل أن تقتنع باستحالة المضيّ فيها.
وتُذكّر تلك الأوساط بحربِ الخليج الأولى بين إيران والعراق التي دامت 8 سنوات قبل إعلان الإمام الخميني تَجَرُّعَه «كأس السمّ» لوقفِها، الأمر الذي يمكن أن يتكرّر اليوم مع صراع مرير يمتدّ فوق مساحة جغرافية أكبر، ودخول لاعبين إقليميين جُدد يمثّلون ثِقلاً كبيراً في المنطقة.
وعلى رغم استبعاد تلك الأوساط أن تزجَّ إيران بقوّاتها بشكل مباشر انطلاقاً ممّا جرى ويجري في العراق وسوريا، إلّا أنّ استمرار إمساكِها بأدوات محلّية نافذة ومؤثّرة فيهما وفي عددٍ مِن البلدان العربية، يحمل على الاعتقاد بأنّها لن تتراجعَ بشكل مبسّط أمام الهجمة المضادة التي انطلقَت مع «عاصفة الحزم» في اليمن.