Site icon IMLebanon

واشنطن – هوليوود!

 

سيمضي بعض الوقت قبل أن تهدأ الأسئلة السياسية حول حصيلة قمّة هلسنكي في شأن القضايا التي طُرحت فيها.. والمتأتية (الأسئلة) عن قلّة يقين يتساوى في «الشعور» بها، قادة في أوروبا الغربية مع رموز سيادية وسلطوية كبيرة في واشنطن نفسها.

 

وافتراض الركون إلى الهدوء، مردّه إلى أنّ خشية هؤلاء الغربيين والأميركيين من «أداء» الرئيس دونالد ترامب في وجه نظيره الروسي فلاديمير بوتين متأتية من المواقف المعلنة والمسبقة لساكن البيت الأبيض الباعثة على التوجّس والاندهاش والريبة، لكنها (تلك الخشية) محكومة بسقف اللحظة العابرة. أي بعدم قدرة طرفي القمة الرئاسية على تغيير «البديهيات» الاستراتيجية القائمة منذ انتهاء الحربين: العالمية الثانية، و«الباردة». وبالتالي فإن المؤسسات «العميقة» على ضفّتي الأطلسي تعرف تماماً أن ثوابتها ليست من النوع الهشّ الذي يمكن لشخص واحد أن يمسّها أو يزعزعها مثلما هو الحال في روسيا أو في بعض دول العالم الثالث مثلاً.. في حين أن المسّ بها من قبل «الخصوم» أو «الأعداء» لا يعني شيئاً سوى الصدام المفتوح الذي لا يتخطى الهوامش، ولا يمكن تصوّر وصوله إلى اللحظة الصفر، في كل حال!

 

غير أن ذلك لا يلغي المفارقة العجيبة المتأتية من انقلاب معادلة واشنطن – هوليوود باتجاه عكسي! أي بدلاً من أن يبقى الفن السابع صانع عوالم افتراضية إبداعية عن عوالم السياسة الأميركية وساكن «البيت الأبيض» من دون أن يعني ذلك شيئاً خارج مزدوجة الفن والمال، فإن الحال مع دونالد ترامب صارت أشبه بسيناريو فيلم هوليوودي، لكنه حقيقي وواقعي إلى حدود الهلع!

 

ما تلهج به المؤسسات السلطوية التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، في الأيام القليلة الماضية تحديداً، يتضمن من جملة ما يتضمن «الخلاصات» الآتية: رئيس أميركي «متّهم» بأنه «عميل» روسي! «زرعته» موسكو منذ أيام الاتحاد السوفياتي! واعتمدت في ذلك على أولى مبادئ «علم الاستخبارات» التي تنص على استدراج «الهدف» من خلال ثنائية الجنس والمال! والانقضاض بعد توثيق الفخ وإقفال أبوابه بمفاتيح الصوت والصورة! وبالتالي إحكام السيطرة عليه واستخدامه في الاتجاه المطلوب!

 

وأي هدف؟! وأي اتجاه؟! وأي قصة هذه؟!

 

الحديث هو عن رئيس أقوى وأغنى دولة في التاريخ! وليس عن أحد آخر! وأصحاب الحديث هم نخب في السياسة والتشريع والقضاء والحكم والإعلام بكل عناوينه.. وفي عواصم غربية مرموقة كما في واشنطن نفسها. أي، حيث لا شيء من أشياء عوالمنا المعتادة على رواية «المؤامرة» لتبرير الممكن والمستحيل والاستبداد والطغيان والفشل وضمور التنمية وشيوع الفساد وهزال الدولة وانتهاك القوانين وابتذال الدساتير وأحكامها.. الخ!

 

أي إن مبعث ذلك الهيجان في جملته ليس الفبركة والتأليف والتزوير والكيد ولا التكالب على السلطة والنفوذ والمغانم، وإنما «وقائع» كافية في آراء أصحابها، لدَبِّ الصوت وإطلاق آليات التحقّق والتثبّت.. ثم المحاسبة إذا تجمّع ما يكفي لتحويل المتهم إلى مُدان!

 

والمفارقة الأعجب، هي أن الرئيس الأميركي يتصرّف وكأنه يدين نفسه بنفسه، بغضّ النظر عن نتائج التحقيقات القضائية الجارية.. أي إنه قد يكون بريئاً من «تهمة العمالة» للروس! لكن أداءه السياسي في ذاته وبعيداً عن الشقّ الجنائي يُقارب الخيال الهوليوودي قبل أي شيء آخر.. وصولاً بالمثال الصارخ إلى إعلانه «تصديق» بوتين وتكذيب مجتمع الاستخبارات الأميركية في قضية التدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية!! عدا، قبل ذلك، عن تماهي مواقفه إزاء الاتحاد الأوروبي و«الناتو».. وألف قضية وقضيّة أخرى، مع مواقف موسكو، وبما يصبّ في خدمة استراتيجيّة صاحب الكرملين.

 

الفيلم يُعرض، في السياسة وغيرها، لكن نهايته غير واضحة.. مع أن أفلام هوليوود عادةً تُعنى بالنهايات السعيدة حيث ينتصر «البطل» ويخسر الشرّير!!!.. وأيّ فيلم؟!