كشفت أوساط ديبلوماسية مطلعة أن عواصم القرار الغربية عموماً، والأوروبية خصوصاً، تراقب بحذر مشهد الإنقسام الداخلي على الساحة اللبنانية، وأن الانطباعات الاولية لا توحي بإمكان استمرار الدعم الغربي في المدى المنظور، وتحديداً في سياق مؤتمر سيدر الاول، وذلك، بصرف النظر عن كل الإجراءات والآليات المعتمدة من أجل مواجهة الفساد على كل المستويات. وكشفت أن الزحمة الديبلوماسية التي شهدتها وتشهدها بيروت في الآونة الأخيرة، والتي قد تتكرّس معالمها مع زيارة وزير الخارجية الأميركية مارك بومبيو يوم الأربعاء المقبل، إنما تهدف إلى الإعداد للمرحلة الجديدة في المنطقة، وللدور اللبناني فيها من بوابتي التنقيب عن النفط والغاز، وعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وذلك على الرغم من النقاط العالقة إلى اليوم في ملف الحدود البحرية في الدرجة الأولى ما بين لبنان وإسرائيل.
وعليه، فإن ما تؤكده هذه الاوساط نقلاً عن تقارير ديبلوماسية، أن الإدارة الأميركية التي باشرت حراكاً مكثّفاً في المنطقة من خلال جولة الوزير بومبيو، تطرح جدول أعمال بعناوين عدة، منها ما يتصل بالساحة السورية على مستوى الحل السياسي المرتقب، ومنها ما يتصل بالصراع العربي ـ الإسرائيلي والتسويات الديبلوماسية على هذا الصعيد، بالإضافة إلى الملف اللبناني، حيث تأتي بالدرجة الأولى الإتجاهات الأميركية الضاغطة على لبنان من أجل النأي بالنفس عن صراع المحاور الإقليمية، ومن أجل اتخاذ خيارات سياسية واقتصادية ومالية محدّدة بالدرجة الثانية، وصولاً إلى مواصلة دعم الدولة والمؤسّسات الأمنية في مكافحة الإرهاب ثالثاً، وذلك، من دون إغفال ملف بارز، وقد يكون الأكثر حساسية، وهو ملف الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل، في ضوء المستجدات في ملف الغاز في كل من قبرص وإسرائيل في الأشهر الماضية.
وفي الوقت الذي تركّزت فيه مناقشات الموفدين الأوروبيين على قضية النازحين السوريين ومؤتمر «سيدر» الأول فقط، فإن المناقشات التي اجراها أخيراً مساعد وزير الخارجية الأميركية السفير دايفيد ساترفيلد، تناولت الضغط على لبنان لكي يجدّد خياره السياسي إزاء ملفات المنطقة وفق ما كشفته الاوساط نفسها، والتي جزمت بأن الموقف الأميركي من الحكومة سيتّخذ على أساس الخيار النهائي في لبنان. وانطلاقاً من هذه المعادلة، فإن ما من معطيات مسبقة حول الإجراءات الأميركية التي ستأتي بعد نهاية جولة وزير الخارجية في بيروت، وحيث سيختتم زيارته الشرق أوسطية. وفي هذا الإطار، لفتت إلى أن هذه الإجراءات لا ترتبط بملف العقوبات الأميركية ضد إيران وحزب الله، كون هذا المسار يسير بشكل منفصل عن العناوين الأخرى التي يحملها الوزير بومبيو، والتي ما زالت في دائرة من الضبابية المطلقة، بصرف النظر عن اجتهادات أكثر من جهة سياسية وحزبية غداة زيارة السفير ساترفيلد.
وعلى خلفية هذه المعطيات، فإن المصادر السياسية نفسها، تجزم بأن الهدف الأميركي من «العودة» الديبلوماسية إلى لبنان، وإن كان يصوّب على حزب الله ونفوذه السياسي في الدرجة الأولى، فهو يستهدف أيضاً الدور الروسي المتنامي في لبنان من خلال الدخول المباشر على خط الملفات الإقتصادية، وفي مقدمها الإتفاقيات الموقعة والمرتقبة في مجال النفط والغاز، سواء من خلال التلزيمات في طرابلس لشركة روسية، أو عبر مشاريع استخراج الغاز في المرحلة المقبلة. وعليه، تكشف المصادر نفسها، أن الموفد الأوروبي قد لامس النوايا الأميركية الفعلية من وراء الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي، وذلك لجهة التوقيت المشبوه الذي أتى غداة تعزيز التعاون اللبناني ـ الروسي، والذي سيتوّج بزيارة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى موسكو في الخامس والعشرين من الجاري.