IMLebanon

واشنطن ترسم خطوط اللعب ودور اللاعبين

كثيرةٌ هي الإشارات التي تؤكّد أنّ الحديث عن اتّفاق أميركي ـ إيراني على خَلفية تمديد المفاوضات النووية، ليس إلّا أحلاماً وتمنّيات.

لعلّ أبرز تأكيد لهذا الاستنتاج هو إعلان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أمام معهد «سابان» المؤيّد لسياسات إسرائيل في واشنطن قبل أيام، أنّ بلاده لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي و»نقطة على السطر».

إضافةً إلى ذلك، أكّدت تعليقات ومقالات صحافية لعدد من المسؤولين السابقين في الإدارات الأميركية الحالية والسابقة، بما لا يقبل الشك، أنّ الولايات المتحدة تعيد النظر في سياساتها تجاه طهران، فيما رأى بعضهم أنّ الوقت لم يحِن بعد للحديث عن إمكان حصول تغيير في سياسات النظام الإيراني تجاه الغرب.

يعتقد مراقبون أنّ ثوابتَ السياسة الأميركية في المنطقة كانت وستبقى إلى أمَد غير منظور، قائمةً على ضمان أمن إسرائيل ومستقبلها، فيما سياستُها تجاه الحلفاء والأصدقاء الآخرين متغيّرة ومشدودة نحو ذاك المحور.

ففي غمرةِ انشغال المنطقة بحروب الهوية والمذهب، مرَّر مجلس النواب الأميركي منذ أيام مشروع قانون لم يتنبّه أحد إلى دلالاته، يُصنِّف إسرائيل بأنّها أحد أكبر حلفاء واشنطن، ويرفع مخزونَ السلاح فيها إلى تسعة أضعاف، ويلزم الإدارات الأميركية التعاونَ والتنسيق معها في شتّى الميادين العسكرية والأمنية خصوصاً الاستراتيجية منها. كذلك يطالب الإدارة بالتنسيق والتشاور مع إسرائيل في قضايا المنطقة وقضايا التصدّي للإرهاب بما فيها مقاتلة «داعش».

ويعتبر هؤلاء أنّ التشديد على هذه المُسَلَّمة من شأنه الإضاءة على طريقة فهم السياسة الأميركية في متابعة شؤون المنطقة، للإشارة إلى أنّها لا تزال تمارس السياسة نفسَها تجاه «اللاعبين» الإقليميين الآخرين. ويذكّرون بأنّ الرئيس العراقي صدّام حسين حين غزا الكويت، لم تمنعه واشنطن مثلما لم تشجّعه. وقبله كان الرئيس الراحل حافظ الأسد يقيس خطواته على ما كان يعتقده إشارات أميركية مشجّعة أو متوارية.

حتى نفوذ إيران المستجد في العراق لم يكن ممكناً لولا صرف النظر الأميركي، وهو ما يحدث معها أيضاً في سوريا أو لبنان أو كما حدثَ في اليمن. وحين تُحاول تخَطّي حواجز ممنوعة، لا شيء يقف في وجه الطائرات الإسرائيلية، كما حصلَ أخيراً في دمشق.

يُشبّه هؤلاء «الإنفلاش» الإيراني في دوَل الإقليم برجل الأعمال الذي بدأ يوسّع أعماله قبل أن «يرسمل»، فيما موارده تتآكل ومردود تجارته لا يكفي لسَدّ النفقات.

هناك من يسأل كيف يمكن خوض المواجهة مع واشنطن بأدوات انقضى تاريخها، فيما تداعيات الانهيارات التي حصلت قبل ربع قرن، لا تزال تتوالى حتى الساعة، وآخر تعبيراتها الأزمة الأوكرانية، ما قد يُنهي ما تبقّى من المنظومة السياسية التي كان «النفوذ» الروسي مبنياً عليها بعد انهيار الإتّحاد السوفياتي.

يؤكّد هؤلاء أنّ المرحلة المقبلة ستشهد تثبيتَ وقائع كثيرة في عدد من ملفات المنطقة، علماً أنّ ردّات الفعل قد لا تقلّ أهمّيةً عنها.

ففي العراق، ستضطرّ طهران عاجلاً أم آجلاً للقبول بالمتغيّر السياسي والميداني والجغرافي الذي سينشأ، ولن يكون في وسعِها منعُ تشكّل كيان سياسي سُنّي جنباً الى جنب مع بقيّة المكوّنات العراقية. فتشكيل القوّة العسكرية للسُنّة حُسِم أمره، والإعلان عن إرسال أكثر من 1500 جندي من «دوَل التحالف» في المنطقة للمشاركة في تدريب القوات العراقية ليس إلّا تأكيداً صريحاً لتلك الشراكة.

وفي سوريا، ستواصل واشنطن مع حلفائها الضغط على أنقرة لتنخرطَ في الحرب على «داعش»، في الوقت الذي سيجري التنسيق معها في سُبل إقامة «الشريط الحدودي الضيّق والآمن» مع سوريا، بما يسمح ببناء الحاضنة السياسية والشعبية القابلة بالنفوذ الغربي والأميركي، بالتناغم مع موطئ القدَم الذي تأسّس في «كوباني» ودور الأكراد المركزي في هذه العملية، بعدما باتوا مُسلّمَة وركيزة وحليفاً مستقرّاً لواشنطن، سواءٌ في العراق أو سوريا أو تركيا، ولاحقاً في إيران.

ولا يعوّل المراقبون كثيراً على جهود موسكو «لحلّ الأزمة السورية»، في وقتٍ تُضاعِف طهران من استثماراتها ويصطدم «الحليفان» بحدود مصالحهما غير المتطابقة.

واشنطن ستتحوّل، أو هي في الأصل، «المايسترو» الذي سيقود تضارب مصالح كلّ من موسكو وطهران وأنقرة في سوريا، مع انغماسهم في أزمتها أكثر فأكثر، فيما ثقلُ الأزمات الاقتصادية المتوقّعة سيكون كارثياً عليهم جميعاً.