قبيل مغادرته مدينة مونترو السويسرية في ختام مفاوضاته مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف وتوجهه الى المملكة العربية السعودية للقاء نظرائه الخليجيين لشرح مآل المفاوضات مع طهران حول ملفها النووي، اعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري “ان الاتفاق النهائي حول برنامج ايران النووي يجب ان يحظى بموافقة المجتمع الدولي ويمكن ان ينجح امام تدقيقه”، موضحا ان الهدف ليس الوصول الى اي اتفاق انما الى “الاتفاق الصحيح”.
ولم يفهم كلام كيري خارج المقصود به اي دول المنطقة وفي مقدمها دول الخليج العربي ما دامت الدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا هي من تفاوض مجتمعة وان كان لواشنطن الحصة الاكبر فيها. لا تتحمل الادارة الاميركية بعد الخطاب التحريضي في الكونغرس الاميركي الذي قدمه احد ابرز حلفائها اي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد الاتفاق مع طهران، موقفا عربيا مماثلا مناهضا للاتفاق. اذ لا يمكن واشنطن ان تنجح في تسويق هذا الاتفاق لدى الدول المعنية اذا كانت مصالح حلفائها في المنطقة تتناقض مع مصالحها الى حد كبير، علما انه يمكن ان تستفيد دول الخليج العربية من موقف نتنياهو والمعارضة التي اطلقها داخل البيت الاميركي بغض النظر عن نجاحه في التأثير على مسار المفاوضات النووية ام لا من اجل تسجيل نقاط في مصلحتها. هذه الافادة او احتمال التوظيف مبني على حاجة واشنطن الى “موافقة” هذه الدول، كما قال كيري ربما خشية من ان تتسع قاعدة الرفض الاميركي الداخلي القائم اصلا حول الاتفاق وتجد لها مبررات كافية في الرفض الاقليمي للاتفاق الذي قد يجد صدى له ايضا في دول اوروبية لها مصالح كبيرة مع الدول الخليجية. وهذا التوظيف لمعارضة نتنياهو يمكن ان يعزز موقف او موقع المقايضة التي يمكن ان تعتمدها هذه الدول العربية لقاء هذه “الموافقة” المطلوبة بالحض على مزيد من التزام واشنطن المسائل الملحة التي تقلق هذه الدول ما بعد الاتفاق النووي ان لجهة التدخل الايراني في الدول العربية او احتمال ابرام صفقة اميركية تسلم لإيران بنفوذها في الدول التي تقول انها باتت تسيطر عليها اي العراق وسوريا ولبنان واليمن. وبحسب مصادر عليمة لا يجوز الاستهانة بهذا الاعتبار الذي يشبه حاجة ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى تغطية اقليمية ومن الدول السنية للغارات التي يشنها التحالف الدولي بقيادة اميركية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا من اجل ضمان نجاح الغارات العسكرية والاهداف التي حددها لتحجيم التنظيم وتدميره.
فبالتزامن مع الضجة التي اثارها نتنياهو في خطابه امام الكونغرس الاميركي منتقداً “اتفاقاً سيئاً” مع ايران كما قال حول ملفها النووي، نقل عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الاميركية يرافق كيري الى سويسرا ان الولايات المتحدة “ستواصل(؟!) التصدي بحزم لأي محاولة من ايران لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الاوسط وان تم التوصل الى اتفاق حول الملف النووي”، في ما بدا انه سعي الى الالتفاف على انعكاسات خطاب نتنياهو الذي وجد صدى في الداخل الاميركي وكان سيلقى اصداء مختلفة في العالم العربي خصوصا ازاء الموقف من الملف الايراني ومن الاحباط الذي يثيره الرئيس الاميركي بالذات في المنطقة، لولا ان المتحدث لم يكن رئيس الحكومة الاسرائيلية. والكلام ايضا بدا انه محاولة طمأنة لدول المنطقة من انعكاسات ما بعد الاتفاق المرتقب حول التصدي لطموح ايران في توسيع نفوذها، وحاملا اجابة عما حاول ان يثيره نتنياهو من تعديات لإيران في المنطقة. وهذا الموقف تكرر بالتزامن مع مغادرة كيري سويسرا الى الرياض لجهة تأكيد مواصلة العمل ضد سعي ايران الى التوسع عدائيا في المنطقة. وهو قال في المؤتمر الصحافي مع نظيره السعودي سعود الفيصل مطمئنا حول ما بعد الاتفاق النووي المرتقب: “اننا لا نسعى الى حل كبير مع ايران ولن يختلف اي شيء بعد التوصل الى اتفاق في ما خص بقية القضايا كرعايتها الارهاب”. كما قال ان اميركا لن تزيح عينيها عن نشاطات ايران الداعية الى عدم الاستقرار في المنطقة مثل سوريا واليمن”.
هناك من قد يسأل هل كانت الولايات المتحدة بدأت او حاولت التصدي لمحاولات ايران في المنطقة لكي تواصل القيام بذلك؟ ومتى واين قامت بذلك؟ باعتبار ان واشنطن ساعدت او ساهمت في تعميم الانطباع عن ممارستها سياسة غض الطرف عن كل التدخلات التي تقوم بها ايران في المنطقة من اجل ضمان انخراط هذه الاخيرة في المفاوضات على ملفها النووي. ولم تفعل ادارة اوباما اي شيء لتبديد هذا الانطباع، فلم تقل الكثير مثلا حول تدخل ايران في سوريا. لا بل تبرز الى الواجهة الرسالة التي وجهها اوباما الى المرشد الايراني علي خامنئي في منتصف تشرين الاول الماضي والتي طمأنه فيها الى عدم استهداف التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا مواقع الرئيس السوري بشار الاسد الذي تضع ايران كل ثقلها من اجل دعمه فيما يواصل قصف شعبه. كما يبرز الى الواجهة تثمين واشنطن احيانا عدة اخيرا مساهمة ايران في العراق في الوقت الذي لا يراه حلفاؤها العرب كذلك بل على العكس.
لكن لا يبدو حتى الآن مضمونا وفق المصادر المعنية سوى الموقف الاميركي من اليمن بدعم المبادرة الخليجية.