Site icon IMLebanon

واشنطن تدعَم «كمّاشة» سعودية – تركية؟

لم يكن مفاجئاً الإعلان التركي أمس عن وصول الطائرات الأميركية إلى قاعدة «انجرليك»، باعتباره مؤشّراً إلى «بدء معركة شاملة ضد داعش». فواشنطن وأنقرة طرَفان أساسيان في حِلف جدّة ضدّ الإرهاب، قبل أن انتهَت مرحلة التريّث التركية في أعقاب «اتفاق فيينا»، ولتتزامن مع «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية في اليمن، ما أوحى بمباركة أميركية للكمّاشة السعودية – التركية. وهذه هي الدوافع.

كان الرهان في محَلّه عند الحديث عن صفحة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها بعد «اتّفاق فيينا» في مواجهة إيران النووية الجديدة.

فكلّ المفاوضات التي قادت إلى الاتّفاق الإيراني – الغربي تجاهلَت كلَّ الملفات التي تقود فيها إيران حروباً مباشرة أو بالواسطة مع أطراف الحِلف الغربي الذي سَلّمها صكّ الاعتراف بالقدرات النووية الإيرانية من دون أن ينالَ منها أيّ تعهّد لتغيير سياساتها في اليمن والبحرين وسوريا والعراق، وقبِلَ بها عضواً في نادي الدوَل النووية بإشراف المنظمات الدولية المكلّفة مراقبة مفاعلاتها والتشَدّد في منعِ أيّ بوادر للانتقال من استخداماتها السِلمية في البيئة والصحّة والطاقة إلى العسكرية من دون أيّة ضوابط سياسية.

فليس صحيحاً أنّ ما جرى في اليمن عندما استعادت قوّات الحلف العربي – الإسلامي السيطرة على عدن ومحيطها كان كناية عن «قَبّة باط» إيرانية أو أيّ شكلٍ مِن أشكال التنازل عن حلفائها اليمنيين. فالعملية العسكرية التي أزاحَت فيها الحوثيين وحلفاءَهم عن العاصمة لها مقوّماتها العسكرية التي يبَرّرها السعي إلى إعادة سيطرة القوى «اليمنية الشرعية» على البلاد.

وفي الشمال السوري لم تكن العملية التركية التي بدأها الجيش التركي لفرضِ منطقة آمنة على طول الحدود السورية التركية وصولاً إلى شمال العراق بتفاهم إيراني أو روسي. بل عبّرت عن تلاقٍ في السياسات التي تطوّق النفوذ الإيراني في سوريا على قاعدة أنّ تدخّلَها غيّر المشروع خارج الأراضي العراقية في ظلّ طلب الحكومة العراقية مساندةَ إيران في مواجهة الدولة الإسلامية.

وعليه، فقد ترجمت «الكمّاشة» التركية – السعودية تفاهماً أكبر في زواياه في قطر والإمارات العربية المتّحدة ودوَل حلف جدّة في مواجهة «داعش»، وعبّرَت الولايات المتحدة الأميركية عن دعمِها بكلّ الأشكال الدبلوماسية التي ترجَمها وزير الخارجية الأميركية في جولته الأخيرة من القاهرة إلى الدوحة ولقاءاته مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي.

وبالوسائل العسكرية عندما تمَّ التمهيد لها بفَكّ أسرِ تركيا لقاعدة «انجرليك» أمام قوات الحلف الدولي وبوادر وصول «قوات سوريا الجديدة» التي تدرّبها واشنطن في قطر والسعودية إلى الشمال السوري بغطاء جوّي أميركي مباشر.

وعلى هذه الوقائع بُنيت نظرية جديدة تقول إنّ منطقة الحَظر الجوّي اقتربت من أن تولّد أمراً واقعاً لا نقاشَ فيه وتمتدّ بعمق ما بين 40 و60 كيلومتراً في شمال سوريا يُحظّر على الطيران السوري دخولها.

بعدما فشلت تركيا ومعها السعودية وقطر في إقناع العالم بإقامتها لحماية فصائل المعارضة شرعياً لِما يفرضه هذا الإجراء وفقَ المفهوم الدولي من ترتيبات لا تتحمّل وزرَها الولايات المتحدة دونَ غطاء دوليّ، وهو ما تجَنّبته بوضوح منذ اندلاع الحرب السورية وحتى الأمس القريب.

وعليه فقد شكّلَت كلّ هذه التطورات مؤشّراً إلى الرعاية الأميركية المباشرة لهذه «الكمّاشة السعودية التركية» معطوفةً على التحذير من استمرار توَرّط إيران في ملفَّي اليمن وسوريا تزامُنا مع هجومها العنيف على الرئيس السوري بشّار الأسد والتأكيد بأنّها لا ترى له أيّ دور في مستقبل سوريا تزامُناً مع مبادرتين: واحدة روسيّة تسعى إلى إقامة حِلف جديد يضمّ الأسد في مواجهة داعش. وثانية إيرانية لحَلّ سياسي يَستند إلى دور للأسد في مرحلة انتقالية تتخلّلها انتخابات سوريّة لتأكيد شرعية الأسد الشعبية.

وما ظهرَ جَليّاً أنّ واشنطن ومعها أطراف الحلف الدولي يتجاهلان المبادرتين، فهما مرفوضتان، في وقتٍ يسعى فيه الحِلف الدولي إلى تزخيم المعركة ضدّ «داعش السورية» بعدما كانت الأولوية لمواجهة «داعش العراقية».

وكلّ ذلك لا يعني أنّ نهاية «داعش – سوريا» باتت قريبة، لكن ما يحصل يؤشّر إلى استراتيجية أميركية ودولية جديدة في مواجهة داعش تصِرّ على استثناء النظام وإيران من هذه المواجهة، مع احتمال أن تنعكسَ لاحقاً على الوضع في لبنان في هذه المرحلة بالذات.

فاحتمال أن يبدأ البحث في إعادة العديد من نازحي شمال سوريا إلى المنطقة الشمالية المحظورة قد يصبح خياراً متاحاً، فهناك مَن يقول إنّ مِن بين النازحين السوريين في لبنان ما يقارب نصفَ مليون من شمال سوريا.