في النهار التالي لتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أحدث فصول عقوباته على الإيرانيين، وفي المقدمة منهم المرشد علي خامنئي، وعدد من كبار مسؤوليه، هدد ترمب، وبلهجة غير مسبوقة، بأنه سيقابل أي هجوم إيراني ضد مصالح أميركا بقوة كبيرة وكاسحة لدرجة الإزالة من الوجود، ومضيفاً أن القادة الإيرانيين أنفقوا أموال الشعب الإيراني على الإرهاب، وأنهم لا يفهمون إلا لغة القوة.
لم يكن هذا هو التصريح الوحيد المثير، فقد أعقبته في أوساكا تهديدات من قبل ترمب تخص عشرات الأهداف الإيرانية، وقد جاءت في توقيت مثير للغاية، فمن ناحية كان مجلس الشيوخ الأميركي يوفر للرئيس دعماً للقيام بعمليات عسكرية من دون اللجوء للكونغرس، ومن ناحية ثانية كان الملالي يتحدثون عن إخفاق اتفاق فيينا الأخير، ويتوعدون بزيادة تخصيب اليورانيوم لأعلى من الكمية المسموح بها.
هل بدأت طهران تقترب من الخيار شمشون، ولهذا أخذ الرئيس ترمب في تغيير دفة حديثه من الحوار إلى المواجهة الحتمية؟
الشاهد أن طهران اعتبرت أن فرض الولايات المتحدة عقوبات على المرشد خامنئي يعني قطع طريق الدبلوماسية بشكل دائم مع إدارة واشنطن.
وفي المقابل لن يتوقف الأميركيون عند هذه المرحلة من العقوبات، فحسب روبرت وود، السفير الأميركي لشؤون نزع السلاح، فإن الولايات المتحدة ستواصل حملة الضغط لأقصى حد على إيران حتى تغير سلوكها، وعنده كذلك أن بلاده تنظر الآن فيما يمكن فعله بشأن المزيد من العقوبات.
ماذا كان الرد الإيراني، وهل هو رد واحد، أم ردود مختلفة، بعضها علني، والآخر خفي، ويقع الأمر كله ضمن سياق الازدواجية الإيرانية التقليدية؟
أما عن العلن، فقد أشار مسؤول إيراني كبير إلى أن بلاده ستوقف الالتزام ببندين آخرين من الاتفاق الدولي النووي اعتباراً من السابع من يوليو (تموز)… هل تستفز إيران، الرئيس ترمب، بمثل هذه التصريحات؟
تصريحات الرئيس ترمب عن إزالة إيران تعكس شيئاً مغايراً وخطيراً، لا يمكن أن يكون موصولاً بقصة الاستفزاز فقط، بل بما هو أكثر خطورة وجدية على الأميركيين.
تنقل وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية، الأيام الماضية، أنباء زيادة إيران لهجماتها الإلكترونية ضد الحكومة الأميركية، ويبدو أنها شنت بالفعل عدة هجمات كبرى ضد بنى تحتية مهمة.
التقرير المشار إليه يؤكد أن قراصنة يعتقد أنهم يعملون لحساب الحكومة الإيرانية، استهدفوا وكالات حكومية أميركية، وقطاعات اقتصادية، بما فيها حقول غاز ونفط، ما تسبب بإطلاق موجة من رسائل البريد الإلكتروني الاحتيالية، وفقاً لممثلين عن شركتي الأمن السيبراني «كرواد سترايك» و«فاير بي» المتخصصتين في رصد الأنشطة المماثلة.
ما الذي تهدف إليه إيران بأعمالها التخريبية الإلكترونية هذه؟
بلا شك بداية نقل المعركة إلى الأراضي الأميركية، والهدف هنا هو تخفيف الضغط الأميركي على إيران في موقعها وموضعها الجغرافي، لا سيما أنها تستهدف أهم قطاعين في الداخل الأميركي، وهما قطاعا النفط والدفاع.
وبينما لم تخض وكالة الأمن القومي في تفاصيل النشاطات السيبرانية الإيرانية، إلا أنها قالت إنه كانت هناك قضايا خطيرة ناجمة عن النشاطات السيبرانية الإيرانية الضارة في الماضي، وفي هذا الوقت الذي يشهد توتراً عالياً على الجميع الحذر من مؤشرات اعتداءات إيرانية سيبرانية، والتأكد من أن الدفاعات المناسبة في مكانها.
يعلم القاصي والداني أن هذا النوع من الاعتداءات في العالم الإلكتروني يمكن أن يصيب إلى حد الشلل دولاً بأكملها، وقد رأى العالم كيف أن بعض الاعتداءات كادت تتسبب بكوارث نووية، والسؤال هل كان ترمب يقصد بإزالة إيران من على الخريطة تحذيرها من اللعب بالنار في هذا السياق؟
يمكن للمرء أن يعتبر ذلك كذلك، لكن يبقى هناك مسار آخر دموي حكماً أعدته إيران منذ وقت طويل، إنه ذاك الخاص بالخلايا النائمة من عملائها، لا سيما من التابعين بشكل مباشر لـ«الحرس الثوري» الإيراني الموصوم بالإرهاب، وهناك العديد منهم بلا شك في الداخل الأميركي ينتظرون الأوامر وقت القارعة، بإحداث خسائر كبرى في الداخل الأميركي، خسائر تبدأ من الممتلكات وتصل إلى الأرواح.
في هذا السياق، يمكن للمراقب أيضاً أن يشير إلى بعض عملاء إيران من «حزب الله»، الذين تم إلقاء القبض عليهم على الأراضي الأميركية، وفي منطقة نيويورك تحديداً، أضف إلى ذلك إمكانية تسرب عدد آخر من عملاء إيران من داخل أميركا اللاتينية إلى الأراضي الأميركية، والقيام بعمليات نوعية تحدث خسائر في الأرواح.
تصريح ترمب بإزالة إيران، يعني حتماً أن الأميركيين لديهم معلومات عن عمليات إيرانية يمكن أن تحدث كذلك في الشرق الأوسط، وهناك عدة آلاف من الجنود الأميركيين في مسرح العمليات، في العراق وسوريا وغيرها من دول المنطقة، فهل نحن أمام تهديد أميركي استراتيجي حازم وحاسم؟
أغلب الظن أن هناك خطباً جللاً في الطريق، والمؤكد أيضاً أن إيران لا تقوى على الدخول في اختبار قوة مع الجانب الأميركي، إلا إذا كان هناك في الداخل من يدفعها لإطلاق صرخة الطائر الذبيح.