IMLebanon

واشنطن: ما تأخّر تنفيذه من القرار 1559 سيُنفَّذ قريباً

 

أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، «بصفة رسمية»، أنّ الوضع في لبنان «لن يكون مماثلاً للعام 1991 عندما أخطأت الولايات المتحدة في حساباتها مع لبنان، خصوصاً تسليمه إلى سوريا بعد اتفاق الطائف»، مؤكداً أنّ «لبنان بلد مهم بالنسبة إلينا».

 

ما قاله شينكر ليس تفصيلاً، ويجب ألّا يمرّ مرور الكرام، خصوصاً انه أصرّ على أن يعطي كلامه الصفة الرسمية، وقد يكون هذا الكلام غير مسبوق بوضوحه وإقراره بالمسؤولية الأميركية لجهة تلزيم لبنان او تسليمه لسوريا، وأهميته تكمن في الآتي:

 

أولاً، توقيته ربطاً بأي مفاوضات محتملة بين واشنطن وطهران، وهذه المفاوضات متوقعة عاجلاً أم آجلاً، فيما هناك من يؤكد أنّ مطلع العام سيشهد انطلاقة هذه المفاوضات في ظل حكومة إسرائيلية جديدة ووصول طهران الى الحائط المسدود وسَعيها الى تقريب موعد المفاوضات من خلال محاولة استدراج أميركا الى مواجهة، وذلك للتخلص من العقوبات المؤلمة التي تحاصرها. وبالتالي، في هذا التوقيت جاء شينكر ليقول إنّ منطق المقايضة انتهى الى غير رجعة، وان لا حلول إقليمية على حساب لبنان، وان لا تسليم لبنان لطهران ولا لغيرها، وانّ التلزيم السابق كان خطأ ولن يتكرر.

 

وهذا الموقف مطلوب، في ظل مخاوف لبنانية مكتومة من أن يتكرر السيناريو الأميركي السابق في سياق المفاوضات والمساومات نفسها بأن تتنازل إيران مثلاً عن اليمن او سوريا مقابل ان تقبض الثمن في لبنان، على خلفية أنّ «حزب الله» هو أهم ورقة لإيران في المنطقة، كما انّ جغرافية لبنان الملاصقة لإسرائيل تشكّل مطلباً إيرانياً للبقاء على تماس مع قضية الصراع العربي-الإسرائيلي، خصوصاً أنّ الوجود الفعلي في سوريا سيبقى لموسكو التي منعت طهران من تحويل الجولان الى جنوب لبنان آخر.

 

ثانياً، تَقصّدَ شينكر أن يفصل بموقفه لبنان عن مسار المنطقة، معتبراً إيّاه حالة قائمة بذاتها، وانه يجب حلّ الإشكالية اللبنانية بمعزل عن حلول المنطقة، وهذا ما يفسِّر تصاعد العقوبات الأميركية على «حزب الله»، والتعامل مع الحزب بمعزل عمّا ستؤول إليه الأمور بين واشنطن وطهران، وكأنّ الولايات المتحدة لا تنتظر المفاوضات مع طهران لمعالجة أذرعها في المنطقة، بل تسعى الى تشديد الخناق على الحزب بالتوازي مع تشديد الخناق على مرجعيته في إيران من أجل إنهاء دوره العسكري والأمني في لبنان، وكل المؤشرات تؤكد أنّ واشنطن لن تتراجع عن مواجهة «حزب الله»، ولن تغطي أو تَغضّ الطرف عن اي دور له في لبنان.

 

ثالثاً، الظروف اللبنانية والإقليمية التي دفعت واشنطن لتسليم لبنان إلى سوريا مختلفة جذرياً عن الظروف الحالية: إتفاق الطائف تأخّر تطبيقه بسبب تمرّد العماد ميشال عون، وأدى دخول صدام حسين الى الكويت الى خَلط الأوراق، والحاجة الأميركية الى سوريا من اجل الانخراط في مسار السلام العربي-الإسرائيلي دفعها إلى إغرائها بورقة حكم بيروت من دمشق، ومن دون التقليل أيضاً من يأسها من الإشكالية اللبنانية وحاجتها لمَن يستطيع أن يضبط الساحة اللبنانية ويمنع التشويش على المسار التفاوضي.

 

أمّا الوضع الحالي فيكاد يكون مختلفاً تماماً، حيث أنّ «صفقة القرن» أو السلام العربي-الإسرائيلي يستدعيان إنهاء الدور الإيراني في المنطقة، فضلاً عن أنّ تسليم لبنان لسوريا بالنسبة الى الرياض عام ١٩٩١ في ظل العلاقة المستقرة بين دمشق والرياض ووعود الأسد الأب بمساعدة لبنان لا احتلاله، أمر يختلف عن تسليم لبنان لإيران اليوم في ظل الصراع المفتوح بين الرياض وطهران، وليس تفصيلاً أن تتحوّل إيران بالنسبة إلى العالمين العربي والإسلامي العدو لا إسرائيل، بسبب سعيها المتواصل الى الهيمنة على القرار العربي، وهزّ استقرار الدول العربية.

 

وهناك من يَعزو كلام شينكر التطميني الى اللبنانيين إلى تزامنه مع إقالة جون بولتون ومفاتحته بالمخاوف من صفقة أميركية – إيرانية، ولكن كل الوقائع والمعلومات تؤكد انّ الإقالة لا علاقة لها بالاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وأنّ رأس حربة مواجهة طهران هو الرئيس دونالد ترامب نفسه وليس بولتون، وانه لن يتراجع عن هذه الاستراتيجية التي استهَلّ بها عهده الرئاسي، وانّ الاستقالة لا تخرج عن سياق الاستقالات بالجملة التي لم تشهدها اي إدارة أميركية قبل الإدارة الحالية بسبب الطابع الشخصي لا السياسي.

 

وما قاله شينكر علناً كرّره في لقاءاته المغلقة إنّ زمن المقايضات وَلّى إلى غير رجعة، خصوصاً أنّ محور الممانعة يتعامل مع واشنطن بلغتين: لغة إعلامية يشيطن فيها أميركا، ولغة التوسّل لعقد صفقة معها من تحت الطاولة.

 

فالمسألة مسألة وقت، وفق تأكيد مصادر ديبلوماسية رفيعة، جزمت أنّ ما تأخّر تنفيذه من القرار ١٥٥٩ سينفّذ قريباً، ودعت إلى تَرقّب تطور الأحداث على 3 خطوط: خط المواجهة الأميركية-الإيرانية، والهجوم الأخير لإيران على مواقع نفطية في السعودية يندرج في سياق سياسة الاستدراج التي تَتّبعها طهران مع واشنطن، فيما الثانية تجرّ الأولى نحو الانتحار او الاستسلام.

 

خَط العقوبات الذي سيتوسّع ويتصاعد على إيران و«حزب الله»، ولوائح العقوبات ستتوالى وتتدحرج لتضمّ شخصيات مسيحية تؤدي الى صدمة سياسية، لينتقل معها الحصار من بيئة الحزب الى كل بيئة مؤيّدة له.

 

خط الرسائل في أكثر من اتجاه، من ترسيم الحدود البرية والبحرية واعتبار واشنطن انّ الكرة في ملعب الدولة اللبنانية التي ستحمِّلها عاجلاً أم آجلاً مسؤولية رفض الترسيم ترجمة لأجندة «حزب الله»، إلى البارجة الأميركية التي رَست في مرفأ بيروت وعلى متنها قائد الأسطول الخامس في الجيش الأميركي واعتبرتها السفيرة الأميركية «رسالة سياسية»، وهذه الرسالة مفادها انّ المرفأ لن يبقى خاضعاً للحزب، على غرار المطار والحدود بين لبنان وإسرائيل ولبنان وسوريا.