“لن تحقق مبادرة موسكو الهادفة الى إطلاق حوار بين ممثلين للنظام السوري وللمعارضة أي إنجاز أو مكاسب للأطراف المعنيين، ولن توقف الحرب أو تجمدها أو تقلص حجم العمليات القتالية، ولن تسفر عن أي تفاهم جدي يساعد على إحراز تقدم على صعيد حل الأزمة، ولن تمنح القيادة الروسية دوراً أكبر وأكثر أهمية في عملية إنقاذ البلد من الكوارث. الواقع ان القيادة الروسية تريد رعاية هذا الحوار السوري – السوري من أجل محاولة تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي الآتية: أولاً – ترغب موسكو في أن يؤدي هذا الحوار الى عقد مؤتمر سلام جديد حول سوريا بالتفاهم مع أميركا والدول المؤثرة الأخرى يستند مبدئياً الى بيان جنيف المؤرخ 30حزيران 2012 ، لكنه يركز فعلاً على وضع استراتيجية جديدة لمحاربة الإرهاب تشارك فيها روسيا والدول الحليفة لها. ثانياً – تتجاهل القيادة الروسية مطالب الشعب السوري وتركز على محاربة الإرهاب لأنها تريد إنجاز تقارب بين الإدارة الأميركية ونظام الرئيس بشار الأسد على أساس وجود مصلحة أساسية تجمعهما وهي ضرورة خوض معارك مشتركة ضد تنظيم “داعش” والإرهابيين. والروس مستعدون للتوسط بين الأميركيين والنظام السوري من أجل تحقيق التقارب بينهما. ثالثاً – تريد موسكو بالتفاهم التام مع دمشق تقليص دور “الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” والتعامل معه على أساس انه يمثل فريقاً من المعارضين وليس على أساس انه الممثل الشرعي للمعارضة والناطق باسمها في المحافل الدولية وعلى طاولة المفاوضات”.
هذا ما أدلت به إلينا مصادر ديبلوماسية غربية في باريس وثيقة الإطلاع على هذه القضية وعلى الإتصالات في شأن مؤتمر موسكو. وأضافت ان هذا المسعى الروسي يصطدم بعقبات جدية تمنع تحقيقه وتنذر بفشله، وهذا مرده الى العوامل والأسباب الأساسية الآتية:
أولاً – رفضت الإدارة الأميركية الأفكار الروسية وشددت على إنها لن تدعم الحوار السوري – السوري في موسكو لأن الأسد يتمسك، بدعم من الروس، بالخيار العسكري حتى النهاية ويرفض الحوار الجدي والحل السياسي والإعتراف بوجود شعب محتج يطرح مطالب مشروعة تدعمها غالبية واسعة من دول العالم.
ثانياً – ترفض الإدارة الأميركية عقد مؤتمر سلام جديد حول سوريا على أساس شروط موسكو. وترى ان أي مؤتمر يجب أن يركز جهوده على ضمان التطبيق الكامل لبيان جنيف وأن يبدأ بالعمل على تشكيل هيئة حكم إنتقالي من ممثلي النظام والمعارضة تمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتخضع لها الأجهزة العسكرية والأمنية وباقي مؤسسات الدولة وتتخذ الإجراءات الأمنية والدستورية والقانونية والسياسية المطلوبة من أجل ضمان الإنتقال الى نظام جديد تعددي ديموقراطي يحقق التطلعات المشروعة للشعب بكل مكوناته. وهذا يتطلب رحيل الأسد والمرتبطين به عن السلطة.
ثالثاً – وزير الخارجية الأميركي جون كيري أبلغ زميله الروسي سيرغي لافروف ان “من المستحيل” أن تعترف الإدارة الأميركية بشرعية نظام الأسد أو أن تتعامل معه بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأنه فقد شرعيته ولن يستعيدها ولأنه المسؤول الأول عن انتشار الإرهابيين في سوريا وعن الكوارث التي لحقت بالبلد.
رابعاً – ترفض الإدارة الأميركية محاولات موسكو تقليص دور “الإئتلاف الوطني” إذ ان أكثر من 120 دولة في العالم وبينها 18دولة عربية اعترفت بالائتلاف على أساس انه الممثل الشرعي للشعب السوري والممثل الرسمي للمعارضة والناطق باسمها في الساحة الدولية. وتتمسك واشنطن بأن يقود الإئتلاف وفد المعارضة في أي مفاوضات جدية مع ممثلي النظام السوري من أجل حل الأزمة.
واستناداً الى مسؤول أوروبي بارز “فإن القيادة الروسية أخطأت في التعامل مع الإئتلاف الوطني الذي يلقى دعماً عربياً وإقليمياً واسعاً جداً وأخطـأت في التعامل مع المعارضة السورية عموماً، إذ انها أبلغتها سلفاً انها ترفض مناقشة مصير الأسد في مؤتمر موسكو وترفض الضغط عليه من أجل وقف القصف الجوي للمدنيين ومن أجل التفاوض جدياً على حل سياسي شامل للأزمة يرتكز فعلاً على تطبيق بيان جنيف. فموسكو لن تستطيع أن تفرض على السوريين قوى معارضة معينة هامشية ليس لها دور أو مرتبطة سراً بالنظام على أساس انها تمثل الثوار والمعارضين والشعب المحتج”. وأضاف: “القيادة الروسية أوقعت نفسها في مأزق حقيقي وظهر بوضوح انها عاجزة عن تنظيم مفاوضات جدية بين ممثلي النظام والمعارضة الشرعية وعاجزة عن الإضطلاع وحدها بدور مؤثر يحل الأزمة بل انها تحتاج الى التعاون مع الأميركيين وخصوم النظام ومع المعارضة الحقيقية الشرعية من أجل إحلال السلام في سوريا، وثمن التعاون موافقة موسكو على رحيل الأسد والمرتبطين به عن السلطة”.