حين كان الأستاذ فؤاد بطرس وزيراً للخارجية في عهد الرئيس الياس سركيس، وفي إحدى المرات حين كان في نيويورك، في اجتماعات الأمم المتحدة، وبعد إلقائه كلمة لبنان، اقترب منه أحد الإعلاميين اللبنانيين، مثنياً على مضمون الكلمة، فسأله الوزير بطرس، بسرعة بديهة لافتة: وهل سمعوا الكلمة على ساحة ساسين في الأشرفية؟
المغزى من هذا السؤال أنّ السياسيين اللبنانيين، حين يكونون في زيارة إلى الخارج، ولا سيما إلى الولايات المتحدة الأميركية يكون من جملة اهتماماتهم رصد ردّات فعل أنصارهم في الداخل على مواقفهم في الخارج.
تكثر هذه الأيام الزيارات إلى العاصمة الأميركية، واشنطن، لوزراء، ونواب، وشخصيات سياسية وحزبية، مضمون الزيارات واللقاءات شيء، وأصداؤها في بيروت، أو على طريقة فؤاد بطرس “على ساحة ساسين”، شيء آخر. منذ مطلع هذه السنة، وصولاً إلى الأمس القريب، لم يمرّ أسبوع إلا وكان هناك وفدٌ نيابي أو وزاري أو الإثنان معاً، في واشنطن. بالتأكيد، لا خبر في أي وسيلةٍ إعلامية أميركية عن هذا الوفد أو ذاك، الأخبار والتغطيات لا تتم إلا في وسائل الإعلام المحلية، وفي الصفحات الداخلية، وغالباً ما تُنشر من باب “رفع الحياء” أو “رفع العتب”.
تكون واشنطن منهمكة بتقييم التقارب السعودي- الإيراني، والتقارب السعودي- الصيني، وتداعيات ومضاعفات كشف وثائق عسكرية ومخابراتية تتعلق بموقف الولايات المتحدة الأميركية من سياسات مصر والإمارات والسعودية وسياسات حلفائها الأوروبيين، وبمتابعة سياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتحقيق “صفر مشاكل” مع إيران ومع اليمن، وغيرها من البلدان، وتوفِد شخصية أميركية للقاء الأمير محمد بن سلمان، وتكون منهمكة بتداعيات انهيار بعض المصارف لديها، وفي ظل هذه الإنهماكات، يأتي خبرٌ يقول: “وصل إلى العاصمة الأميركية وفد نيابي لبناني لإجراء محادثات مع عدد من المسؤولين فيها”. مَن هُم هؤلاء المسؤولون الذين تجتمع معهم الوفود اللبنانية؟ لا أحد يعرف!
تحتاج زيارة واشنطن جملة من “اللوجستيات”: تأشيرات دخول، بطاقات سفر، حجز فندق، “دعوة” لعدد من النواب، وتنطلق الرحلة، أمّا ما يمكن أن يُسفِر عنها فهذا شأن آخر، ليس بالضرورة أن يُسفِر عنها شيء مهم في واشنطن، المهم أن يُعرَف عنها “على ساحة ساسين”!
في مثل هذه الزيارات، أين جداول الأعمال؟ أين البيانات المشتركة؟ أين ما يقوله الطرف الأميركي بعد كل لقاء؟ نحن نعرف ما يقوله أعضاء الوفود اللبنانية، وفي الأساس يكرّرون في واشنطن ما يقولونه في بيروت، واللبنانيون يريدون أن يسمعوا ما يقوله الأميركيون لا ما تقوله الوفود في أميركا.