IMLebanon

واشنطن ستتدخّل لإنهاء الأزمة: الفوضى في لبنان ممنوعة!

 

وصلت أزمة الاستقالة إلى الحائط المسدود. الجميع في مأزق: اللبنانيون عاجزون عن رفع سقف المواجهة مع الرياض بلا ضوابط. والسعوديون عاجزون عن استثمار «استقالة» الحريري والانطلاق في مواجهة مفتوحة مع «حزب الله»، لها أثمانها في الخليج وفي الداخل اللبناني. إذاً، مَن سيتكفّل بالتدخّل وإنهاء اللعبة؟

في القصر الجمهوري، يقولون إنّ الرئيس ميشال عون سينتظر بضعة أيام إضافية قبل أن يرفع الصوتَ في مجلس الأمن، وبناءً على المواثيق الدولية: رئيس حكومتنا محتجَز في السعودية! ويعني ذلك، إذا حصل، أن على مجلس الأمن أن يتّخذ قراراً بـ»تحرير» الحريري بأيِّ وسيلة تبيحُها المواثيقُ الدولية.

في الموازاة، يعتقد البعض أنّ السعوديين يمتلكون أوراقاً قوية يمكنهم استخدامُها في لبنان، وقد تزعزع استقراره: إبعاد ربع مليون لبناني يعملون في المملكة، إقفال مؤسسات لبنانية كبرى عاملة هناك، سحب الودائع والاستثمارات السعودية وربما الخليجية من لبنان، وقف المساعدات للمؤسسات العامة والخاصة، والانطلاق في حرب ديبلوماسية لعزل لبنان في الجامعة العربية على غرار عزل سوريا.

إذا بادر أحد الطرفين إلى خطوات، فسيردّ الآخر وتندلع الحرب سياسياً واقتصادياً وربما أمنياً وعسكرياً. ولا لبنان ولا السعودية يرغبان في بلوغ هذا الكابوس، لأن لا قدرة لأحد على معرفة كيف تبدأ المواجهة وكيف تنتهي، وكيف يمكن أن ترتدّ التدابير على أصحابها- في بيروت والرياض- فيندمون. ولذلك، ليس في الأفق أكثر من عضّ أصابع: مَن يَصرخ أولاً؟

ينطلق وليّ العهد السعودي من اقتناع بأنّ المملكة العربية السعودية تمتلك من عناصر القوة في لبنان ما يسمح لها بإقامة توازن رعب مع إيران، وأنّ الخطأ السعودي المتمادي هو أنّ العهودَ السابقة تراخت أمام إيران على مدى عقود وسمحت لها بالسيطرة على القرار في لبنان.

وفي تقدير الأمير محمد أن لا شيء ينقص السعودية لإقامة توازن رعب مع طهران، والمطلوب فقط أن تستخدم طاقاتها في هذا الاتّجاه، ولو تأخّرت. ولبنان هو حلقة أساسية في هذه المواجهة.

في المقابل، تعتبر إيران أنها دفعت غالياً ثمن تحصيل مكتسباتها في الشرق الأوسط، منذ عقود، ولا يمكنها التنازل عنها، وأنّ «حزب الله» خط أحمر استراتيجي، وأنّ التخلّي عن القرار اللبناني الذي وقع في يدها تدريجاً، وتكرّس مع حكومة الحريري، أمر مستحيل. فبيروت هي رأس الجسر لنفوذها الإقليمي.

ولذلك، يرى الخبراء الاستراتيجيون أنّ جرعة التصعيد السعودي المطلوبة لعزل لبنان عن النفوذ الإيراني يجب أن تكون عالية جداً، وإلّا فإنها لن تؤدّي غايتها. وهذه الجرعة تعني أن يقوم السعوديون بمواجهة إيران مباشرة، وعلى مختلف المستويات، فلا يقتصر الأمر على مواجهة جانبية وجزئية في لبنان ومع «حزب الله».

فإذا كانت السعودية تواجه حالَ استنزاف عسكري منذ سنوات في اليمن، على حدودها، وعلى رغم «عاصفة الحزم» التي أطلقتها وكلّفتها المليارات، فكيف ستكون حال المواجهة البعيدة والمعقّدة في لبنان؟

يقول هؤلاء الخبراء: ربما يعتقد البعض بأنّ الحملة السعودية مفتوحة على المجهول. ولكن، في الواقع، يتمتّع أصحاب القرار في الرياض بالحكمة للبحث عن الخيارات الفضلى والأكثر فاعلية للمواجهة مع إيران، بحيث لا تأتي النتائج معاكسة.

ففي لبنان، لم تؤدّ استقالة الحريري إلى تقليص النفوذ الإيراني، بل أظهرت تشقّقات في الوسط السنّي الأقرب إلى المملكة، مقابل تماسك السلطة الشرعية على رفض الاستقالة. وسيؤدّي أيّ تصعيد سعودي ضد لبنان إلى وقوعه في كارثة… لكنه سيبقى تحت القبضة الإيرانية، بل ربما تستفيد طهران من التوتر السعودي- اللبناني لتكريس سيطرتها على القرار.

وفي أيّ حال، إنّ واشنطن والقوى الدولية الكبرى لن توافق على إغراق لبنان في الفوضى، أيّاً كانت المبرّرات. فما يقوم به الأمير محمد في السعودية ينطلق أساساً من الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران، والرامية إلى تفكيك مفاصل سيطرتها على دول المنطقة، خصوصاً لما تمثله من تهديد لإسرائيل.

ويقود هذا التوجّه جاريد كوشنير، صهر ترامب وموفده إلى إسرائيل والحامل ملف المفاوضات مع الفلسطينيين. وواضح أنّ واشنطن تدعم الخطوات التي ينفّذها وليّ العهد السعودي في شكل مطلق، سواءٌ في أبعادها المتعلّقة بإصلاح النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو بمواجهة التمدّد الإيراني.

ويلتقي ترامب والأمير محمد على الاقتناع بأنّ اتّفاق فيينا مع إيران، في عهد الرئيس باراك أوباما، هو الذي سمح لها بالحصول على مئات مليارات الدولارات التي تستخدمها لتمويل السيطرة على الشرق الأوسط. ولكن، هذا لا يعني أنّ الإدارة الأميركية تنسّق مع ولي العهد السعودي حول تفاصيل برنامجه التصعيدي، بما في ذلك خطواته على الساحة اللبنانية.

وعلى هذا الأساس، يعتقد خبراء أنّ أزمة العلاقات السعودية- اللبنانية ستبقى عالقةً عند النقطة الحالية، وأنّ أيّاً من الطرفين لن يبادر إلى خطوات جديدة، لا سلبية ولا إيجابية، في انتظار أن تأتيَ «الكلمةُ السرّ» من واشنطن، وهي قريبة.

واللافت أنّ ترامب، وفيما كان منشغلاً بجولته الآسيوية، تعمَّد إصدارَ بيان يدعو «الدولَ والأحزابَ إلى احترام سيادة لبنان واستقلاله وآلياته الدستورية». وإذ يؤكّد البيان رفض «محاولات الميليشيات أو أيّ قوات أجنبية تهديد استقراره أو استخدامه قاعدة لتهديد الآخرين»، يرسل إشارة مفادها أنّ الحريري «لطالما كان شريكاً جديراً بثقتنا».

إذاً، الطرفُ الثالث الوحيد الذي سيتكفّل بتطوير الأزمة بين لبنان والسعودية هو واشنطن التي ترعى الحملة الكبرى ضد النفوذ الإيراني. ولذلك سيكون الاستحقاق هو: كيف الملاءمة بين خيارَين:

– إستقرار لبنان كخطّ أحمر وعدم ذهابه نحو الفوضى في المواجهة الإقليمية.

– منع إيران من السيطرة على القرار اللبناني، من خلال «حزب الله»، بحيث تهدِّد دولاً عدة، ومنها إسرائيل.

واقعياً، هل يمكن إيجاد الصيغة السحرية الملائمة بين الخيارَين؟ وإذا كان ذلك ممكناً فلماذا تتأخّر؟ وأيُّ دور فيها لكل من لبنان والسعودية والقوى الإقليمية الحليفة لواشنطن، وأيُّ دور للولايات المتحدة؟