تبدي أوساط ديبلوماسية في بيروت، خشية ملحوظة من التصعيد الأميركي المرتقب بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن خطوته بسحب القوات الأميركية من سوريا وأفغانستان في مهلة أقصاها شهر نيسان المقبل. وتشير الأوساط إلى أن الخطوة الأميركية، تخفي في طياتها ضغطاً مباشراً تمارسه إدارة ترامب على كل الأطراف على الساحتين الإقليمية، كما الدولية، وبشكل خاص الروس والإيرانيين، حيث ان الفراغ الذي سيتركه انسحاب الجيش الأميركي من سوريا، سيدفع نحو إعادة خلط الأوراق بين كل القوى الموجودة في المنطقة التي كانت توجد فيها وحدات من الجيش الأميركي، كما تنظيم «داعش»، وبالتالي، فإن البلبلة التي ستسجّل وسط محاولة تركيا ملء هذا الفراغ، والتخبّط والإرباك نتيجة رفض الدول الأوروبية عودة مقاتلي «داعش» الأجانب، لن تحقّق ما كان يتطلّع إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنسبة إلى السيطرة على الجغرافيا التي ما زالت نقطة تجاذب إقليمية اليوم.
أما بالنسبة لإعلان الرئيس ترامب انتهاء مهمة القوات الأميركية لجهة القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي، في ضوء استمرار اعتقال مئات المقاتلين الإرهابيين في سجون بدائية لدى قوات «سوريا الديموقراطية»، فقد رأت فيه الأوساط الديبلوماسية نفسها، عملية تضليل، وذلك، بعدما أفادت بعض المعلومات المتناقلة أخيراً، عن أن عملية نقل تجري لبعض عناصر التنظيم من سوريا إلى الحدود الأفغانية ـ الإيرانية، وذلك، في سياق محاولة أميركية لزيادة منسوب الضغط على إيران في موازاة التشدّد في العقوبات المالية والاقتصادية.
وإذ أشارت الأوساط نفسها إلى أن المحور الأساسي لخطوة الرئيس ترامب، يبقى المأزق الذي يواجهه في الداخل، أكدت أن تركيز السياسة الخارجية الأميركية على صراعات خارج منطقة الشرق الأوسط، يخفي في طياته تحوّلاً في الإستراتيجية الأميركية التي كانت قائمة في المنطقة، وإن كان التشدّد ضد إيران ما زال عنواناً ثابتاً لدى الإدارة الأميركية.
ومن هنا، فإن الانعطافة في السياسة الخارجية الأميركية، توحي بتغيير في الأجندة الأميركية، وهي مؤشّر أيضاً لمرحلة سياسية جديدة، أولاً على الساحة الإقليمية، وثانياً على الساحة الدولية لجهة الاشتباك المستمر مع موسكو.
وانطلاقاً من هذا التحوّل، تندرج المقاربة الأميركية المستجدّة للواقع اللبناني من حيث التذكير بالمعارضة الأميركية القوية لنفوذ «حزب الله» في لبنان، وتجاوز الملف الاقتصادي لتناول الملف الأمني والسياسي المرتبط بمستقبل الحكومة الجديدة، مع العلم أن الحزب لم يدخل في أي سجال، أو يبدي أي ردّة فعل إزاء الخطاب الديبلوماسي العالي اللهجة.
وإذ اعتبرت الأوساط الديبلوماسية نفسها، أن الهدف من التصعيد هو تحويل الأنظار عن تراجع الدور الأميركي في المنطقة، أكدت أن المرحلة المقبلة ستختلف بشكل كلي عن سابقاتها، حيث ان واشنطن لن تتخطى في تصعيدها ضد الحزب مستوى المواقف والتصريحات، وذلك بعدما بات جلياً أن إجراءاتها وعقوباتها لم تحقّق النتائج التي كانت تعوّل عليها، ذلك أن الوجود الأميركي إلى تراجع اليوم، على الرغم من زحمة الموفدين إلى بيروت، كما إلى عواصم المنطقة، وذلك، في سياق تظهير مشهد مغاير للواقع، خصوصاً بالنسبة لحلفائهم في المنطقة.