في وقت يشهد الداخل اللبناني جدلا، حول الاسباب التي ادت الى وقف الغارات والاستهدافات في الضاحية الجنوبية، على وقع تضارب المواقف وتعارضها، بين من تحدث عن معادلة «بيروت مقابل حيفا»، واسقطها رئيس مجلس النواب بغسله يديه منها، كذلك حزب الله الذي استمر في استهداف «حيفا» وما بعدها وصولا الى «تل ابيب»، دون تنفيذ «اسرائيل» لتهديدها ووعيدها بتحويل لبنان كله الى هدف، رغم ان الساعات الماضية شهدت عودة كثيفة للطيران المسير الى اجواء بيروت والضاحية، كذلك الطيران الحربي مخترقا جدار الصوت، ومغيرا على «اهداف» في الضاحية وان بشكل محدود، في موجة جديدة من الضغط العسكري والنفسي، ورسائل الدموية الموجهة لحزب الله والدولة اللبنانية والمجتمع اللبناني.
مصادر مواكبة للعمليات العسكرية رأت أن دخول وحدات جديدة الى ساحة القتال، تؤكد أن جيش العدو الاسرائيلي قد قرر توسيع مناورته العسكرية، حيث سعى خلال اليومين الاخيرين الى تحقيق اختراقات على جبهات عدة، منفذا مناورات هجومية متحركة، في مواجهة مناورات حزب الله الدفاعية والمرنة والثابتة والمبرمجة حتى الآن، مع نجاح مقاتليه في التصدي في كل الاتجاهات. فالحزب يقاتل وفق نمط القتال الخاص بجيش نظامي وتقليدي، ولكنه بالتأكيد سيعود إلى العمليات غير التقليدية وحرب العصابات عبر تنفيذ الكمائن والأفخاخ وغيرها من الوسائل مع تقدم الوحدات «الاسرائيلية»، مشيرة الى ان عديد القوات «الاسرائيلية» المقاتلة حتى الساعة يبلغ حوالى 40 الف جندي، مدعومون من الجو والبحر والجو، وببطاريات مدفعية قادرة على الرمي بمعدل ست قذائف في الدقيقة من العيار الثقيل.
ولاحظت المصادر الكثافة الكبيرة خلال الأسبوعين الاخيرين في عمليات إطﻼق الصواريخ إلى مناطق أكثر بعدا، واشارت الى إن القضية ليست عدد الصواريخ التي أطلقت من لبنان، ولكن عدد السكان «اﻹسرائيليين» الواقعين في مناطق اﻹنذار، وفي تطور قدرة حزب الله على تحدي الدفاع الجوي لدى «إسرائيل» بصواريخ أرض-أرض والصواريخ المضادة للدروع والطائرات المسيّرة، حيث يستنذ الحزب الى مخزون من الصواريخ والقذائف الصاروخية، أكثر مما لدى أي دولة أوروبية بما في ذلك فرنسا وبريطانيا، ما يسمح له بفرض حرب استنزاف طويلة ودامية ومتواصلة، لكسر معنويات المجتمع «اﻹسرائيلي».
وتتابع المصادر بأن «إسرائيل» تواجه تحديات معقدة تتداخل فيها السياسة بالعسكر، في ظل تصاعد التوترات على جبهات غزة ولبنان، فضلا عن الترقب بشأن ضربة على إيران، مما يضع الجيش «الإسرائيلي» أمام معضلة حقيقية، تتطلب تحركات دقيقة وسط قيود داخلية تتعلق بنقص الذخائر والشروط التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية، في «لعبة الشطرنج الاستراتيجية»، حيث تصر واشنطن حتى الساعة، على منع «تل ابيب» من استهداف البنية التحتية الحيوية اللبنانية، والمنشآت الحيوية مثل الطرق والمطارات والموانئ، ما يحرمها القدرة على ممارسة الضغوط اللازمة لتحقيق الأهداف العسكرية.
وتلفت المصادر إلى أزمة كبيرة تواجهها «إسرائيل»، وتتعلق بنقص الموارد الدفاعية، بما في ذلك الذخائر والصواريخ الاعتراضية، وهو ما قد يفرض على القيادة العسكرية تعيد النظر في خططها وإمكانياتها، فضلا عن الإرهاق الواضح الذي يعاني منه الجنود، مما يضطر الجيش إلى العمل بفعالية في تحديد الأولويات وفقا لأهميتها، ما يطرح تحديات اساسية: إما أن تستمر في القتال على الجبهات المختلفة مع تحمل ضغوط دولية وداخلية متزايدة، أو الرضوخ للحلول الديبلوماسية. فالأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، إذ سيتحدد خلالها إذا كانت «إسرائيل» ستتمكن من تحقيق توازن بين التحركات العسكرية والديبلوماسية، أو أنها ستغرق في معركة طويلة الأمد.