مع تلويح الرئيس نجيب ميقاتي قبل أيام بإمكان تَعذّر دفع الرواتب وتأمين الادوية في نهاية آب ضمن حرب نفسية على ما يبدو، ورفض الرئيس نبيه بري تلقّف كرة الغطاء القانوني التي سددها رئيس الحكومة في اتجاه المجلس النيابي، وإصرار الحاكم الموقّت لمصرف لبنان وسيم منصوري على التوقف عن تمويل الدولة بلا مواكبة التشريع، يكون عَض الأصابع المتبادل قد وصل الى أقصاه في انتظار من سيصرخ اولاً، تمهيداً للنزول عن الشجرة المترنحة.
اذا كان هناك من يظن انّ منصوري هو الحلقة الاضعف في هذا التجاذب وانه لن يستطيع تحمّل تبعات الثبات حتى النهاية على موقفه الرافض تأمين نفقات الدولة الضرورية بالدولار من دون الحصول على التغطية القانونية، فإنّ العارفين يدعون الى عدم اختبار جديته في هذا الصدد لأنه عازم على تغيير «قواعد الاشتباك» النقدي والتأسيس لـ»توازن ردع» في مواجهة متطلبات الحكومة واتكالها المفرط على مصرف لبنان، مهما كانت التداعيات المحتملة في نهاية الشهر.
والمتواصلون مع منصوري يلمسون انه يحرص على النأي بنفسه عن الأخذ والرد بين الحكومة والمجلس في شأن تشريع اي اقتراض جديد من المصرف المركزي، وان ما يهمه هو اكل العنب لا قتل الناطور، بمعنى انه يريد انتراع تغطية قانونية لأي سنت يخرج من المصرف مع ضمانات بإعادته، بمعزلٍ عن دخان المناورات الجانبية، «إذ إنني لستُ سياسياً ولا أريد أن أدخل في البازار المفتوح».
ومن وجهة نظر منصوري، ليس هو الموجود في مأزق ومن يحتاج إلى مخرج، بل السلطة المستمرة في اعتماد النهج السابق والمدمّر الذي يستسهل الإنفاق من حساب الاحتياطي الالزامي، بدل التفتيش عن مصادر أخرى لتمويل احتياجاتها، فلمّا أتى مَن يرميها بدلو من الماء البارد، استفاقت على واقعٍ لم تألفه.
ووفق المحيطين بمنصوري في هذه الأيام، فإنّ الرجل يعتبر ان المسألة هي مسألة ارادة سياسية وانها اذا توافرت حقاً، يمكن في أسبوع واحد إنجاز سلة التشريع المتكاملة التي تتضمن التغطية القانونية لصرف مرحلي، مُرفقة بآلية لسداد الدين والأهم بالإصلاحات الضرورية والبديهية التي صارت معروفة ومشبعة نقاشاً، وبمقدور الكتل النيابية إقرارها عبر ورشة عمل تمتد لأيام من دون انقطاع، في حال صفت النيات خصوصا ان الهوامش أصبحت ضيقة، مشددا على أن تلك الإصلاحات هي جزء لا يتجزأ من عملية قوننة الإقتراض المفترض، وبالتالي ليس مقبولا الفصل بين الأمرين واتباع الانتقائية في التشريع الذي يجب أن يكون «package» واحدة.
ومنذ ان تسلّم منصوري الحاكمية قرر ان يحصر دور مصرف لبنان في وضع السياسة النقدية وإدارتها بعد الانفلاش الذي حصل في مرحلة رياض سلامة، حيث كان المصرف المركزي يتولى أيضاً رسم السياستين الاقتصادية والمالية في حين أن هذه المهمة هي من اختصاص مجلسي الوزراء والنواب وحدهما.
وانطلاقاً من مبدأ إعادة الاعتبار الى هذه القاعدة، يُبدي منصوري اقتناعا تاما بأن الحكومة يجب أن تؤدي واجباتها في هذا المجال وان تجد وسائل لتمويل متطلباتها عبر طرق أبواب داخلية عدة لا تزال مغلقة او موارَبة، وهو يشعر أن موقفه المتشدد سيُجبر الدولة عاجلاً ام آجلاً على مراجعة سلوكها و»حك» رأسها لزيادة مداخيلها وتأمين نفقاتها.
وينقل القريبون من منصوري عنه تأكيده أن خيار وقف تمويل احتياجات الدولة نهائي ولا رجعة عنه، مهما تصاعد الضغط عليه حتى آخر الشهر، «وإلّا فليُقيلوني او يطلقوا عليّ رصاصة… عندها فقط يتم التخلص مني ومن قراري القاطع الذي لا يقبل المساومة».
وتبعاً للقريبين، يبني منصوري سياسته النقدية على اساس ان أموال المودعين هي امانة وليست ملكاً له او لرئيس الحكومة، ولذلك لم يعد جائزاً الامعان في التفريط بها، ومن اراد ان يصرف منها تحت شعار الضرورة والاضطرار ينبغي أن يحصل على الغطاء القانوني الذي يضمن استرداد ما يُنفق خلال وقت قصير، «وإلّا فتّشوا عن غيري».