Site icon IMLebanon

النفايات، أزمة حكم حقيقية

لولا صرخة من هنا أو هناك لما حظيت قضية النفايات المذلة للاحساس الوطني والمستويات الحضارية الدنيا التي يفترض ان تتوافر لمجتمع ما، باي انتباه.

الغيبوبة اصبحت دواء الغفلة عن تردي شؤون الحياة وادارة مؤسسات الدولة في لبنان. اللبنانيون يتنقلون، يعملون وربما يناقشون لكنهم في حال من “الكوما” المجتمعية التي تنذر بأوخم العواقب في المستقبل.

لماذا ننتهي بعد عشرة أشهر من الصراع مع المنطق والعلم بتبني برنامج لتصدير النفايات، ولماذا لم تحفز البلديات على القيام بدورها السابق لاية عقود مع “سوكلين” في مجال تأمين النظافة والمحافظة على البيئة؟

الجواب واضح، وهو ان موقع المسؤولية غير محدد في لبنان، وكل اخفاق ينقل من وزير الى مدير الى موظف الى النسيان. هذه هي حال “الكوما” في لبنان، وهي حال بالغة الخطورة لان العالم يتغير بسرعة، وهنالك توقعات أن تحل ادوات الانتاج الالكترونية محل الطاقات البشرية وعندئذٍ بعد 30 سنة مثلاً، لا يبقى لدينا لا عمل ولا بيئة ولا جاذبية للسياح من الخليج العربي، أو أوروبا، أو الصين واليابان.

لنعد الى قضية النفايات. دعاني أواخر الصيف المنصرم النائب الاخلاقي علي عادل عسيران لزيارة معمل معالجة النفايات في صيدا، وأكد لي ان ما سأشهده يبرهن على قدرات اللبنانيين في معالجة شؤونهم الحياتية على مستويات راقية اذا كانوا يعملون خارج القطاع العام والشروط التي تفرضها الوزارات المعنية على النشاطات المفيدة، أكانت استثمارية أم بيئية أم تطويرية.

قمت بالزيارة في رفقة النائب عسيران، والتقيت مدة ساعتين المهندس المشرف على سير العمل والمساهم في الوقت ذاته في انشاء المعمل وانجاز مواصفاته، وهو شاب من صيدا اسمه نبيل الزنتوت.

طاقة المعمل تسمح بمعالجة 500 طن من النفايات يوميًا، وان يكن يعمل فقط بنصف طاقته في تاريخ الزيارة لأسباب نعرضها في ما بعد.

قبل الزيارة، راجعت بعض التقارير في موضوع النفايات وقرأت مواقف لناشطين في حركة “طلعت ريحتكم” فذهلت قياسًا بالمعلومات عن مدى اهمال المسؤولين، نوابًا ووزراء ومديرين عامين الخ، هذا الشأن الحضاري والصحي.

استناداً إلى تقرير دولي وضع عام 2009، كان مجمل النفايات في لبنان على مستوى 1.57 مليون طن سنويًا، وبتقدير لا شك أصبح أقل من الواقع، كان التوقع ان يبلغ الوزن الاجمالي للنفايات في 2035 2.21 مليوني طن نتيجة زيادة سنوية بمعدل 1.65 في المئة. لكن هذا التقرير انجز قبل تدفق اللاجئين السوريين الذين يقدر عددهم بـ1.2 مليون مهجر يضيفون الى النفايات نسبة 20 في المئة مما يتحصل من عادات اللبنانيين.

مقابل هذه الارقام كان هنالك قيد الانشاء عدد من معامل معالجة النفايات ورد تعداده على الشكل الآتي:

– قيد الانجاز 4 معامل – المنية بطاقة 60 طناً يومياً؛ مشمش بطاقة 10 أطنان يوميًا؛ بعلبك بطاقة 60 طناً يومياً والمعمل كان ينتظر ان يتهي عام 2011، ومعمل في النبطية بطاقة 120 طناً يوميًا، وكل هذه المعامل كانت ممولة من هيئات مانحة أهمها السوق الأوروبية.

– معامل منجزة 3 – في صور معمل بطاقة 150 طناً يوميًا؛ السويجاني في الشوف 26 طناً يوميًا؛ جبيل 80 طناً يوميًا.

– معامل عاملة 6 – برج حمود 300 طن يوميًا؛ انصار 10 أطنان يوميًا؛ الخيام 15 طناً يوميًا؛ خربة سلم 10 أطنان يوميًا؛ الطيبة 10 أطنان يوميًا؛ قبريخا 15 طناً يومياً.

– معامل منجزة دراساتها – صيدا بطاقة 300 طن يوميًا (وهي في الواقع 500 طن يوميًا) بعد انجاز تجهيزات المعمل وتسييره ولنا عودة إلى هذا الموضوع.

لو انجزت هذه المشاريع ولو شغلت المعامل التي انجزت – ويبدو أن معمل بعلبك بدأ تشغيله وهنالك أموال لتوسيعه، ومعمل جبيل يعمل، وكذلك معمل صيدا وان بنصف طاقته – لكانت لدينا طاقة توازي في ضوء حاجات عام 2015 نحو 65 في المئة من كامل كمية النفايات التي تتراكم يوميًا، وغالبها دون فرز ودون احتواء بشكل شبه صحي.

* * *

ماذا شاهدت في صيدا؟

معمل يتسلم 250 طناً من النفايات يوميًا، يؤمن تنظيف 100 طن من النفايات العضوية من الجراثيم، ومن يحوّلها الى اسمدة والى طاقة حرارية وطاقة كهربائية بما يوازي الفي كيلووات ساعة لكل منتج. وبلدية صيدا التي قدمت أرض المصنع شرط حصر استخدامها بعملية معالجة النفايات دون التسبب بتدهور بيئي، تحصل على اضاءة شوارعها ليلاً، والتي تبدو نظيفة ومنوّرة. وينتج من النفايات العضوية ما يساوي 110 أطنان من الاسمدة الطبيعية التي تصدر الى أفريقيا.

أما النفايات من البلاستيك التي تفرز عند التسلّم، فتحول الى حبيبات تستعمل في انتاج مستوعبات المياه التي تسوق، وغالبية حبيبات البلاستيك تصدر الى افريقيا كما الأسمدة الطبيعية التي يسوق جزء منها في لبنان.

النفايات الصلبة كالأخشاب والكرتون تحول الى قوالب تدمج بأحجار الباطون المعد للبناء، وأجريت كل التجارب على صلابة المنتج ومناسبته وكانت ايجابية.

تبقى بعد انجاز العمليات المشار اليها نسبة 25 في المئة من النفايات غير المضرة بالصحة والتي لا تنتج منها روائح كريهة أو ما شاكل ذلك وهذه تطمر.

زار فريق بريطاني من الشركة التي تعالج النفايات في الكويت، العمل واطّلعوا على خصائصه وسي العمل فيه وأبدوا اعجابهم بنتائجه ونتاجه وأكدوا انهم لم يستطيعوا خفض نسبة الطمر من النفايات عن 40 في المئة مقابل ال25 في المئة في صيدا.

يبقى السؤال لادارة معمل صيدا، الذي يعتبر حالياً المعمل الانجح والاوسع في لبنان، لماذا لا تشغلون المعمل بكامل طاقته؟

الجواب كان أن هنالك ممانعة في استقبال نفايات بعض المناطق والقرى، وهنالك ممانعة في مناطق أخرى في ارسال نفاياتها في انتظار تشغيل المرافق المنجزة على مقربة منها. ومع ذلك نجحت الادارة في التمهيد لاستقبال نفايات من الذوق، وبعبدا والحازمية سترفع طاقة التشغيل الى 380 طناً يوميًا ويبقى هنالك مجال لاستيعاب 120 طناً اضافية.

بلغت التكاليف الاستثمارية للمعمل 45 مليون دولار. فلو باشرنا اقامة معمل بطاقة 1000 طن في اطار بيروت الكبرى نتكلف 100 مليون دولار على الأكثر، وفي الامكان كما أكد المهندس الخبير الدكتور نزار يونس ترميم معمل الكرنتينا وتشغيله فنستطيع حينئذٍ كفاية حاجات بيروت التي تشكل نسبة 60 في المئة من نفايات لبنان خلال سنة من تاريخه.

لقد انقضى على تبليغ “سوكلين” السلطات انها لا تنوي تجديد عقدها أكثر من 14 شهرًا، فماذا فعلنا، وبلدية بيروت لديها 1.5 مليار دولار تقبع راكدة لا تستعمل لتطوير أوضاع العاصمة، والسؤال هو كيف نشجع ونبحث في مشاريع مشتركة في مجالات الخدمات العامة بين القطاعين الخاص والعام ما دام القطاع العام هو على هذا المستوى من اللافاعلية واللامبالاة؟