نشرة الأحوال الجوية كانت تجزم بأن صباح الخميس من هذا الأسبوع سيكون ماطراً، لكن إحدى بلديات ساحل المتن الشمالي اعتمدت المقولة القائلة:
كذب خبراء الطقس ولو صدقوا، فعمدت يوم الأربعاء إلى إحضار صهريج مياه ورشَّت جبل نفايات مستحدث على الأوتوستراد الساحلي، بين نهر الموت وانطلياس، وحين دفعت حشرية بعض المارة إلى سؤال الذي يرش الجبل المستحدث، أجاب بجدية:
إنها التعليمات، نحن نرش النفايات ليصبح من الصعب إحراقها.
هكذا تتفتَّق العبقرية اللبنانية عن معالجة أمر، بأمرٍ أسوأ منه:
لئلا يتم حرق النفايات، كي لا تنفس سموم دخانها على الناس، يُصار إلى رشها بالمياه فلا تحترق لكن مزجها بالمياه يؤدي إلى تحويلها إلى سوائل تتحوَّل إلى مياه آسنة وتتسبب في انبعاثات سموم من روائحها الكريهة، وفي هذه الحال فإنَّ الأضرار التي تسببها تفوق بكثير أضرار الحرق.
***
مع ذلك، وفي الحاليْن:
حال الحرق وحال الرش بالمياه، يؤديان إلى نتائج مشابهة لجهة الإضرار بصحة المواطن، ليكتمل معهما المثل القائل، إما حريق وإما غريق.
تلك هي حالة الشعب مع النفايات، في وقتٍ يسوح نصف مجلس الوزراء في نيويورك، بين مهمات تكفي للقيام بها بعثة لبنان إلى المنظمة الدولية، وبين وزراء يقومون بالسياحة على حساب المهمات، وقد حبكت النكتة مع أحد المتابعين فقال:
حبذا لو أنَّ مجلس الوزراء ينعقد في مقر بعثة لبنان في نيويورك، وهي أرض لبنانية، لربما بالإمكان معالجة وضع النفايات في بيروت، فقد يستوحي الوزراء من التجربة النيويوركية في معالجتها.
***
لكن السويد أقرب من نيويورك، فلماذا لا يتعلَّم المعنيون الحكوميون من التجربة السويدية التي هي رائدة في معالجة النفايات؟
ولتسهيل الأمور عليهم، إختصاراً للوقت وللجهد، علَّهم يباشرون العمل، فإننا نقترح أن يتمعَّنوا في كيفية تعاطي السويد مع النفايات.
***
نفايات السويد لا تكفيها للتدفئة وتوليد الطاقة، بل هي تستورد نحو 800 ألف طن لاستخدامها لهذه الغايات. في السويد يتم طمر 4 في المئة فقط من النفايات، وهذه التي يسمونها العوادم، أما ال96 في المئة فتُستَخدَم في الأسمدة العضوية وفي إنتاج الطاقة.
تبدأ إعادة التدوير في المنزل، والتي تعني فرز النفايات، وفي السويد تُعتبَر من الواجبات الوطنية، وليس فقط الواجبات المنزلية، لأنها تؤدي إلى الحفاظ على البيئة.
بقايا المأكولات يتم تخميرها واستخدامها في إنتاج غاز الميثان، أما زيوت القلي فتُستَخدَم كوقود.
مكتوبٌ على سيارات النفايات في السويد:
شكراً على الطعام، البقايا سنحوّلها إلى غاز حيوي.
البلديات توفر الأكياس مجاناً للمواطنين وكذلك توزع الأكياس مجاناً في الأماكن العامة، لاصحاب الكلاب، للحفاظ على النظافة العامة.
فوق كل ذلك، والأهم من كل ذلك، فإنَّ البلديات تتعاقد مباشرة مع الشركات الخاصة التي تلتزم النفايات، أما دور الدولة فيقتصر على وضع المعايير الصارمة جداً، لا أكثر ولا أقل.
***
يا حضرات المسؤولين، يا معالي الوزراء الكرام، هل هناك أسهل مما تقوم به السويد في معالجة النفايات؟
أليس أفضل من رش النفايات بالمياه لمنع الناس من حرقها؟