Site icon IMLebanon

جمْع النفايات مهمّة الفقراء هذه الأيام: ذهب يدرّ أموالاً في زمن القحط

 

تنشط مهنة جمع النفايات الصلبة في قرى النبطية، فالاوضاع المعيشية ارخت بثقلها على الجميع. صغار، كبار، شباب وحتى نسوة ينشطون في افراغ مستوعبات النفايات المنتشرة في القرى من التنك والحديد والنايلون والبلاستيك، ليبيعوها لاحقاً في البور بأسعار مرتفعة، اذ باتت النفايات بنظر كثر “الذهب” الذي يدرّ عليهم اموالاً في زمن القحط، ويستفيد هؤلاء من تراكم النفايات بعدما بدأت معظم البلديات تعجز عن جمعها بسبب نقص مادة المازوت من ناحية، واضراب العمال الذي دخل يومه السادس ومطالبتهم برفع أجرتهم اليومية التي لا تتجاوز دولاراً وربع الدولار وسط ارتفاع كافة السلع وعجزهم عن الحضور الى اعمالهم سيما وانهم محرومون من بدل النقل. فالعامل اليومي في لبنان فئة منسية الحقوق في لبنان، وهذا ما دفع كثراً منهم لبدء جمع النفايات واعادة بيعها، اسوة بمن دخلوا على خط هذه المهنة التي فرضتها الظروف المعيشية من ناحية، وفشل ادارة ملف النفايات من ناحية أخرى، اذ لا تزال التجاذبات حوله قائمة حتى الساعة، ولم تفرض الازمة صوغ حل للمشكلة لتدور عجلة معمل معالجة النفايات.

 

كل ذلك أدى الى تحوّل الطرقات مكبات، يستفيد منها الشبان لجمع المواد الصلبة منها، اذ يعتقد ممتهنو هذه الصنعة أن النفايات “بترول” يدرّ عليهم أموالاً طائلة، بعد ارتفاع الطلب عليها لاعادة تدويرها واستخدامها كمواد اولية لكل الصناعات، وأسهم ارتفاع كلفة المواد الاولية المستوردة الى فتح النافذة على المواد الصلبة التي ارتفع ثمنها. طن الحديد تجاوز سعره اليوم الـ 2،5 مليون ليرة، والنايلون الشفاف 3 ملايين والبلاستيك 1مليون ونصف وهذه الأسعار مرجحة للارتفاع اكثر، وهذا ما دفع بكثيرين للجوء للنفايات لتصبح مصدر رزقه لاعانته في مواجهة مروحة الغلاء التي لم يسلم منها شيء.

 

اتخذ يوسف من دراجته النارية التي وصل بها عربة صغيرة وسيلة نقله اليومية ليجوب مستوعبات النفايات التي تفيض على الارض يجمع ما بداخلها غير آبه برائحة العفن المنبعثة، ولا بحرارة الطقس، ما يهمه أن يجمع ما يكفيه لشراء حليب لابنه، وطعام لعائلته.

 

منذ مدة قصيرة ويوسف يعمل على جمع النفايات، يشاطره المهمة اطفال وفتية لا تتجاوز اعمارهم الـ12 عاماً، جميعهم دفعتهم الظروف للعمل في القمامة التي باتت مسرباً جديداً للعمل.

 

وِفق يوسف “العمل مش عيب” صحيح أنه لم يكن يتوقع يوماً أن يعمل في القمامة، غير أنه لم يتردّد لحظة واحدة في الخروج الى المزابل وجمع ما تيسّر له من تنك ونايلون وحديد، لانه يرى أن “الوضع لم يعد مقبولاً، كل شيء حولنا غالي الثمن حتى القمامة، ولكن هناك من لا يعرف قيمتها”.

 

على طول الطرقات الممتدة من النبطية باتجاه تول وصولاً حتى انصار، يتجول يوسف، “اعمل يومياً قرابة الـ16 ساعة لانتج قرابة الـ200 الف ليرة ليتسنى لي شراء حليب لابني ذي الثلاث سنوات، وتأمين متطلبات الحياة اليومية”.

 

ما يستغربه أن الناس ترمي بالغالونات وعبوات المياه في الطريق، اذ يقول: “يجهلون أن سعر الغالون اليوم 1000ليرة لبنانية، للاسف نحن شعب لا نعرف قيمة ما نملك”، وما يحزّ في نفسه أن “هناك من يوجه لي السباب والشتائم، وكأنني أسرق، أنا اعمل بشرفي اتحدّى كل شيء لأؤمِّن لقمة عيش لاولادي في زمن فارغ من كل شيء، الغلاء اقتحم حتى الخضار، بات من الصعب اعداد يخنة بطاطا التي كانت وجبة الفقراء، الـ200 الف بالكاد اشتري بها حليباً وبعض الحاجيات، دخلنا زمن الدمار”.

 

بالرغم من كل شيء يواصل يوسف مشقته اليومية، يعرف أن ما ينتظره صعب، كباقي اللبنانيين، ويعلم ايضاً ان الأزمات دخلت في اسوأ مراحلها، ولو انتج المرء مليون ليرة لا تكفي وسط زحمة الاسعار الكاوية، فأبسط فاتورة يومية لا تقل عن مليون، وتفويلة سيارة تحتاج 200الف ليرة لا تكفي اسبوعاً، فكيف بكل السلع؟… لكنّ المؤكد أن المواد الصلبة حتى الساعة وحدها تشهد ارتفاعاً في اسعارها فيما البلديات واتحاداتها يجهلون ان بيدهم كنزاً ويتركونه يضيع.