أسهم تركّز النازحين في «بيروت الإدارية» في تفاقم أزمة النفايات في المنطقة. ورغم استمرار شركة «Ramco» المسؤولة عن رفع النفايات القيام بأعمالها، إلا أنّ القمامة تتراكم باستمرار في شوارع العاصمة، بل تظهر بشكل فاقع في مناطق مثل البسطة وبربور والحمرا والبربير مؤدية إلى إقفال الطرقات أمام المارة والسيارات لساعات يومياً قبل رفعها.
قبل الحرب، كانت إدارة ملف النفايات الصلبة هشّة، ولا تتمتع بالمرونة الكافية للتعامل مع أيّ متغيّرات. فأمر بسيط مثل تغيير أمكنة المستوعبات على الطرق، كان يؤدي إلى تراكم النفايات في الشوارع. كما أن ساعات عمل شاحنات رفع القمامة، كانت محور أخذ وردّ مع البلديات والسكان الذين اشتكوا من زحمة سير إضافية تسببها شاحنات جمع النفايات التي تجول في ساعات الذروة، أو خلقت إزعاجاً للقاطنين. فالعاصمة في الأساس صغيرة بمساحة لا تزيد عن 18 كيلومتراً مربعاً فقط، وشوارعها ضيقة، وتعاني أصلاً من أزمة مواقف. بكل سهولة، يمكن أن تعرقل السيارات المركونة على جانبي الطريق مرور الآليات الكبيرة، إن لم تمنعها. لكن هذه الهشاشة لم تكن مزعجة مقارنة مع ما يحصل اليوم.
صحيح أن «بيروت الإدارية» كانت تنتج نحو 350 طناً من النفايات يومياً، إلا أنه بعد الزيادة الكبيرة في أعداد القاطنين في العاصمة، سواء في البيوت، أو في مراكز الإيواء «زادت كمية النفايات بنحو 120 طناً يومياً»، بحسب مدير عام شركة «RAMCO» وليد بو سعد. رغم ذلك، فإن الزيادة في كمية النفايات لم يشكّل عبئاً كبيراً بالمقدار الذي تشكّله الزيادة في أعداد السيارات واختناق شوارع المدينة الضيّقة بها، إذ باتت المشكلة تكمن في «قدرة الشاحنات على الوصول إلى المكبات» يقول بو سعد. ففي ظل غياب التنظيم البلدي والأمني، استعمل النازحون الرصيف والطرقات وأمام مستوعبات النفايات لركن السيارات «ما أعاق عمل آليات رفع النفايات الكبيرة» بحسب قوله أيضاً. وبالتالي، «أدّت زحمة المرور إلى تأخير أعمال جمع النفايات». فعلى سبيل المثال «تدخل شاحنة جمع النفايات إلى شارع الحمرا عند العاشرة صباحاً، ولا تخرج قبل الثانية بعد الظهر بسبب الزحمة». كما أدّت الزحمة إلى «إقفال منافذ الوصول إلى مكبات النفايات»، فتضطر«RAMCO» إلى الاستعانة بالقوى الأمنية وبلدية بيروت للمساعدة في معرفة أصحاب السيارات، لإزاحتها قبل وصول الشاحنات إلى المستوعبات لتقوم بعملها. «هذه الحركة، أدخلت شاحنات النفايات في حركة كر وفر مع أصحاب السيارات».
من جهته، أشار مدير دائرة النظافة في بلدية بيروت مارك كرم إلى أنّ البلدية، ولحل مشكلة تراكم النفايات، «تقوم بمواكبة شاحنات رفع النفايات، عبر موظفين يقودون دراجات نارية». ولفتح المجال لعمل الآليات الكبيرة «يقوم الموظفون بالتواصل مع أصحاب السيارات، والذهاب إلى أماكن تواجدهم لنقلهم بالدراجات إلى سياراتهم لإزاحتها». وبحسب التجربة، يضيف كرم: «عدم توافر أمكنة لركن السيارات، دفع بعدد كبير من القاطنين في العاصمة إلى ترك سياراتهم عند أول مساحة متاحة». وفي بعض الأحيان «تُترك السيارة في مكان بعيد عن إقامة صاحبها. وعند التواصل معه لإزالتها، يحتج بعدم قدرته على الوصول. وهذا ما دفع بلدية بيروت إلى الاستعانة بموظفين مع دراجات نارية».
جمع النفايات بات يتطلب ساعات أطول وعدداً أكبر من العمال
مشكلة جمع النفايات وكمياتها المتزايدة، ليست المشكلة الوحيدة. فمع ازدياد عدد المقيمين في العاصمة، وبسبب أوضاعهم، تغيّرت نوعية النفايات أيضاً إلى جانب حجمها. قبل الحرب، كان وزن النفايات أكبر من حجمها، أي إن المواد العضوية فيها كانت تشكّل 50% من وزنها ونسبة المواد القابلة للتدوير مثل الكرتون والبلاستيك والمعادن عند حدود 20%. أما الآن، فانقلبت تركيبة النفايات تقريباً، إذ زادت كمية مواد التغليف، مثل الكرتون والنايلون. «هذه المواد تزيد من حجم النفايات لا من وزنها»، بحسب بو سعد، «ما يملأ المستوعبات، من دون أن تحتوي على أوزان كبيرة». ويعيد بو سعد هذه الظاهرة إلى المأكولات الجاهزة التي توزع على النازحين في مراكز الإيواء، إذ تغلف بكميات من الأوراق والأكياس البلاستيكية، وتوزع في علب من كرتون.
ويقول بو سعد، إن الوضع الحالي أدّى إلى ارتفاع أكلاف جمع النفايات، إذ اضطرت الشركة إلى زيادة عدد العاملين على الشاحنات ورفعت عدد ساعات العمل. إنما هذه الزيادات لن تلحظها الدولة التي وقعت عقداً مع الشركة على أساس وزن النفايات، لا على أساس عدد عمليات الرفع، أو عدد الساعات التي يتطلبها العمل أو حجم النفايات. فبسبب إعاقة زحمة السيارات عمل شاحنات رفع النفايات، تمتدّ العملية أحياناً إلى أربع ساعات، علماً أنّها كانت تنجز في نصف ساعة سابقاً. في المقابل، يشير بو سعد إلى أن الشركة لم تطالب الدولة «ببدلات إضافية الآن، لأننا في حالة حرب، والتضامن مطلوب».
نزوح النكّاشين
أشار مدير دائرة النظافة في بلدية بيروت مارك كرم إلى «الغياب شبه الكامل للنكاشين بعد الحرب». ويعيد كرم السبب في غيابهم إلى «نزوحهم عن لبنان»، مؤكداً أنّ «عمل هؤلاء كان مفيداً، إذ يخفّف من حجم النفايات. فالنكاشون يرفعون كل المواد القابلة للتدوير من المستوعبات، مثل الكرتون والمعادن والبلاستيك». وتؤدي هذه الأعمال إلى التخفيف من حجم النفايات، مقارنةً بوزنها. أما اليوم، فتبقى هذه المواد التي تباع في ورش إعادة التدوير على الوزن في الشوارع، ما يسهم في مفاقمة أزمة النفايات في العاصمة