لا تزال الشكوك بقدرة المتحاورين في مجلس النواب على إحداث خرق في جدار الإستحقاق الرئاسي، قوية نظراً لصعوبة التوصّل إلى مساحات مشتركة من الإتفاق بين الأقطاب الذين يختلفون تقريباً على كل القضايا، فيما وصلت الأوضاع السياسية إلى حافة الهاوية في الأيام الأخيرة. وبصرف النظر عن التقدّم المحدود الذي تم إحرازه على جبهة أزمة النفايات، فإن مصادر نيابية في كتلة بارزة، أكدت توسيع دائرة الصراع السياسي من خلال فتح أزمات جديدة، كما حصل في مسألة تأخير صرف رواتب العسكريين، لافتة إلى أن انسداد أفق الحلول يؤدي إلى المزيد من الإنقسام على طاولة «الحوار الوطني»، بحيث تصبح كل المبادرات الجارية وراء الكواليس للوصول إلى صيغة تؤمّن إدارة الأزمة وليس أكثر، وكأنها تدور في حلقة مفرغة. وكشفت أن ما حصل من أزمة مالية في الفترة الأخيرة، ليس سوى نموذج عن الأزمات المرتقبة، خاصة أن معضلة الإستحقاق الرئاسي تبقى الأساس، وما من حوار قادر على الإستمرار والإنتاجية للوصول إلى خواتيم إيجابية لها، إلا الحوار الثنائي السنّي ـ الشيعي، والذي يبدو الوسيلة الوحيدة الناجحة لإبعاد شبح الفتنة المذهبية أولاً، وتأمين استمرارية المشهد الداخلي المستقرّ على أزمات متعدّدة وغير مرشّح لأي تغييرات ثانياً.
وإذا كان المتحاورون بالأمس في المجلس النيابي يدركون التعقيدات المتنوّعة المحلية والإقليمية التي تتحكّم بحوارهم «الوطني» كما قالت المصادر النيابية نفسها، فهم يعترفون في مجالسهم الخاصة أن ما من جديد يسمح بترقّب إشارات إيجابية من الحكومة أو من المجلس النيابي. لكنها استدركت محذّرة من خطورة جعل المؤسّسة العسكرية عنصراً من عناصر الصراع السياسي كما حصل أخيراً، معتبرة أن من شأن هذه «المخاطرة» غير المسؤولة أن ترتدّ بشكل سلبي على كل اللاعبين ومن دون استثناء. وأكدت أن هيكل الدولة ما زال صامداً حتى المرحلة الراهنة، وذلك على الرغم من كل ما تعرّض له لبنان من أزمات نتيجة الشغور الرئاسي والصراع الحاصل في سوريا، لكنها وجدت أن المسّ بركائز الإستقرار العام وهو المؤسّسات الأمنية، من شأنه أن يفتح الباب على المجهول، وذلك على كل المستويات.
وفي هذا المجال، دعت المصادر النيابية عينها، إلى تحديد المسؤوليات وتسمية الأشياء بأسمائها في أزمة رواتب العسكريين، وإن كانت تمّت تسويتها، وذلك لأن الصيغة القانونية التي تسمح بعدم تكرار هذه السابقة لا تزال غير نهائية، خاصة أن الغطاء السياسي لأي خطوة في هذا الإطار، والذي تأمّن أخيراً، قد لا يستمر طويلاً، خصوصاً فيما لو بقيت الحكومة في إجازتها الطويلة.
وأضافت أنه من الواضح بعد المشاورات التي جرت بالأمس في ساحة النجمة، أن معالجة أزمة النفايات بدأت تسلك مساراً مختلفاً بالكامل عن السابق، لا سيما أن الخطة الوزارية ما زالت متعثّرة من جهة، فيما بدأ الحديث عن خطة جديدة من جهة أخرى. وكشفت أن سقوط كل المقاربات دفع نحو تجديد الإقتراح الذي كان قد طُرح سابقاً لجهة ترحيل النفايات إلى الخارج، الأمر الذي يهدّد بعودة الأمور إلى نقطة الصفر، ومما يعني أن الجلسة الوزارية باتت في مهبّ الريح، وأن كل الأزمات ما زالت من دون أي حلول منظورة.