Site icon IMLebanon

«أزمة النفايات»: من الدولة الفاشلة إلى النفق المجهول!

6 أشهر ساخنة بين الرياض وطهران.. والمواجهة أميركية – إيرانية أيضاً

«أزمة النفايات»: من الدولة الفاشلة إلى النفق المجهول!

جماعة الدرّاجات» تهوِّل على سلام لمنعه من الضغط بورقة الاستقالة أو الإقدام عليها

يُشكل ملف النفايات انعكاساً طبيعياً لسقوط الدولة وتحوّلها إلى دولة فاشلة، تشي التطورات المتسارعة، داخلياً وإقليمياً ودولياً، أن الساحة اللبنانية ستشهد ترجمةً لاحتدام الصراع  الذي سيفضي إلى مزيد من انحلال المؤسسات، وانسحاب ذلك على مجمل الملفات بمختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية أيضاً.

ثمة عوامل عدة أدّت إلى انفجار أزمة النفايات، منها ما يتعلق بقصور وزير البيئة محمد المشنوق في كيفية تدارك أزمة كان مؤكداً حصولها، وعدم رفع الصوت عالياً، ومكاشفة الرأي العام قبل وقوع الواقعة. ومن العوامل الأخرى ما يرتبط بشهوة الطبقة السياسية لتقاسم «الجبنة» في أي مشروع حيوي بغية تأمين مصالح عائلية وحزبية على حساب المصلحة العامة، ذلك أن الشرط الذي تضمنته المناقصة لجهة إيلاء الشركات المتقدمة مهمة تأمين المطامر، بدل أن تكون مهمة الدولة ضمن خطة وطنية شاملة متوازنة ومدروسة، لا يمكن قراءته إلا من زاوية  دفع أصحاب الشركات إلى عقد صفقات وتقاسمها مع القوى السياسية النافذة وصاحبة الكلمة الفصل في المناطق التي يمكن اختيار مطامر فيها. إلا أن العامل الأبرز يكمن في غياب سلطة القرار التي آلت إلى شلل المؤسسات بفعل تعطيل موقع رئاسة الجمهورية، والذهاب إلى آلية الإجماع في مجلس الوزراء التي أَنتجت بدورها تعطيلاً للسلطة التنفيذية التي أضحت سلطةً بقرار مفقود، وإنْ وُجِد فلا قدرة على تنفيذه أو فرضه.

على أن الأزمة التي انفجرت في وجه الحكومة مع الوصول إلى موعد إقفال مطمر الناعمة من دون توفر بدائل، طالت شظاياها فريق الرئيس تمام سلام والفريق السياسي الرئيسي الداعم له المتمثل بـ «تيار المستقبل» نتيجة السقوط المدوّي للعاصمة، بما ترمزه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، في قعر النفايات، وارتداد نتائج هذا السقوط على الرئيس سعد الحريري من موقعه السياسي كصاحب التمثيل الأكبر للعاصمة. وما زاد من تشظي صورة «التيار» وزعيمه تلك المعارضة الشديدة التي أبدتها المناطق، من عكار إلى صيدا والإقليم والمحسوبة عليه سياسياً ومذهبياً في قبول استقبال نفايات العاصمة، والتي كشفت بدورها خللاً فاضحاً في التعامل مع «الجسم البلدي» المعني في جانب أساسي منه وزير البلديات نهاد المشنوق، بوصفه ممثل «التيار» في الحكومة، في وقت لم يألُ فريق الثامن من آذار جهداً في استغلال هذه الأزمة واستخدامها كورقة ضغط على الحكومة للمقايضة في ملفات تشكل لها مكاسب سياسية.

ويسود اقتناع سياسي بأن أزمة النفايات ليست سوى مثالٍ للأزمات الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة والتي تنتظر لحظات تفجّرها، وأن البلاد ربما تكون دخلت في النفق المجهول. فتلويح الرئيس سلام بالاستقالة رفضاً لشلل عمل مجلس الوزراء، نتيجة موقف «التيار العوني» المدعوم من «حزب الله» في ملف التعيينات وآلية عمل الحكومة، قابلته «رسالة تحذيرية» حملتها الدراجات النارية التي جابت قرب منزل سلام، وأكياس النفايات التي رُميت في اتجاهه والمستوعبات التي حُرقت أمامه، تماماً كما وصلت رسالة أولئك الذي جابوا قرب منزل الرئيس فؤاد السنيورة في رأس بيروت. إنها رسائل شبيهة برسالة «القمصان السود»، تحمل في طياتها الترهيب من مغبة الإقدام على الاستقالة، وتُقدّم نموذجاً  للمصير الذي ينتظر العاصمة من «فوضى خلاقة» على طريقة «حزب الله» و«حركة أمل»، وإن كان الجانبان تنصّلا من مسؤوليتهما حيال الأعمال الغوغائية التي شهدتها العاصمة خلال الأيام الماضية وإدراجها في سياق الأعمال الفردية المتفلتة!

وفيما عزا وزير بارز في قوى الرابع عشر من آذار عملية التهويل التي مورست عبْـرَ «جماعة الدرّاجات» على رئيس الحكومة لمنعه من  الضغط  بورقة الاستقالة أو الإقدام عليها، نظراً إلى أن الحكومة هي حاجة سياسية لـ «حزب الله»، فإن الاعتقاد السائد لدى هذه القوى بأن الحزب يريد شلّ الحكومة من دون وصولها إلى حد الاستقالة، في انتظار أن تتبلور معالم الصراع الإقليمي، وما تمليه عليه الحاجة في حينه، ذلك أن استقالة الحكومة راهناً تفقده ورقة يعتبرها قوية بيده وتالياً بيد الراعي الإيراني، الأمر الذي يجعلها، إن حصلت من دون موافقته، ضربة له في سياق المواجهة المفتوحة بين  إيران  والتحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية. مواجهة يتوقع أن تشهد تصعيداً في الأشهر الستة المقبلة الفاصلة عن موعد الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمّدة، والتي تتخوّف الدولة المواجهة لطهران من ضخه لدعم أذرعها الأمنية في المنطقة في إطار تعزيز نفوذها.

غير أن قراءة متابعين للحركة الأميركية تذهب إلى اعتبار أن المواجهة الفعلية التي ستتحكم بمسار الأشهر المقبلة هي مواجهة أميركية – إيرانية أيضاً، وستأخذ منحى التصعيد السياسي في لبنان، سواء من بوابة الحكومة أو انتخابات رئاسة الجمهورية أو التعيينات في قيادة الجيش وغيرها من الملفات الحسّاسة، تماماً كما ستأخذ المنحى العسكري حيث الجبهات المشتعلة، من أجل تحسين مواقع كل طرف وتعزيز أوراقه، قبل أن يحين الجلوس إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى التسوية الإقليمية. فإيران التي وقّعَت الاتفاق النووي لا يمكنها أن تبقى، في المدى المتوسط أو البعيد، خارج إطار الشرعية الدولية ومتفلتة من القواعد التي تحكم العلاقة مع المجتمع الدولي، وستعمد في الأشهر الفاصلة عن بدء اندماجها في المنظومة الدولية وقوانينها، على استثمار ما وظفته في مختلف الساحات إلى الحدود القصوى، وهو ما يدفع بالمراقبين إلى توقع أن تشهد الساحة اللبنانية مزيداً من تشدّد «حزب الله»، واستشراسه في مواجهة أي محاولة من الآخرين لخلق «واقع جديد» أو إحداث «تعديل ما» في التوازنات، ما لم يكن هو مُحرّكه أو مُنفذه!