تنفّس اللبنانيون الصعداء بعد انتهاء زيارتي الرئيس عون إلى المملكة العربية السعودية وقطر، وتكللهما بالنجاح، فطوى خلالها صفحة سوداء في تاريخ العلاقات اللبنانية – الخليجية التي لطالما كانت ممتازة وساعدت الوطن الصغير على تجاوز محنه السياسية وأزماته الاقتصادية، وبالتالي دفع ثمن المواقف المعادية للأشقاء العرب غالياً على صعيد الجالية اللبنانية الكبيرة العاملة في دول مجلس التعاون والتي تشكّل رافعة مهمة في الاقتصاد الوطني من جهة، وعلى صعيد مقاطعة الأشقاء العرب للوطن الصغير سياحياً واقتصادياً وكواحة واعدة لاستثماراتهم من جهة ثانية.
هذه العُزلة التي فرضت على لبنان، وفي توقيتها، دفعت به إلى المحاور الأخرى المعادية لانتمائه العربي الطبيعي، وبالتالي شرعت أبوابه للنيران المحيطة من خلال تورط «حزب الله» المباشر في الحرب السورية أولاً، وتدفق النازحين بأعداد فاقت قدرة الوطن الصغير على تحمل أعبائها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية!
وفيما كانت المعالجة السياسية لأخطاء المرحلة السابقة تؤتي ثمارها الإقليمية، كشفت فضيحة مطمر الكوستابرافا هشاشة الحلول لملف النفايات، وتغليب منطق المحاصصة والصفقات في ظل غياب الخطط العلمية والمعالجة الصحية لهذا الملف الحيوي الذي يمسّ صحة المواطن بالدرجة الأولى، ويكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة على نطاق الصحة وارتداداته السلبية عليها.
إن عشوائية اختيار المطامر وغياب معايير الصحة العامة في هندستها هددت اليوم سلامة الطيران المدني، في فضيحة كشفت التهافت غير المسبوق على الحصص والصفقات، وتنذر بالأعظم عند فتح بازار النفط والغاز، الذي بات اللبنانيون يدعون أن تبقى هذه الثروة في أعماق البحر على أن توزع في الجيوب، وتبقى خزينة الدولة فارغة… فهل سيحصل الملف البيئي على المعالجة الجدية المطلوبة لإيجاد الحلول النهائية، أم أن بيروت مهددة بالغرق بنفاياتها ونفايات الوافدين والنازحين إليها من دون أن تتحمل سائر المناطق مسؤولياتها؟
وهل تطوى صفحة التشنج مع المحيط العربي إلى غير رجعة، أم أن حلفاء العهد يحافظون على هامش حرية في تحركهم يراعي مصالحهم الدولية، وبالتالي يعطل انطلاقة العهد المميزة؟
أما الهبة السعودية للجيش، فإلى جانب تعثر الموازنات الخليجية، تبقى ازدواجية السلاح في لبنان ووجوده خارج مظلة الدولة عائقاً كبيراً في وجه تطوير قدرات الجيش العسكرية والقتالية، فهل من نوايا جدية للمعالجة؟
ملفات كثيرة ومعقدة تنتظر العهد، ولا بدّ من توافق داخلي شامل بين الأطراف المتخاصمة لوضع قطار الإصلاح على سكة الانطلاق، بعدما أنهكه التعطيل! فهل تسمح الطبخة الإقليمية بذلك، أم أن الساعة لم تحن لانفراجات كبيرة على المسرح اللبناني؟!