النقاش داخل مجلس الوزراء تضمن تهديداً صريحاً بسيناريو إغراق بيروت بالنفايات
طريق مطمر عين درافيل ستقطع قريباً، التقت المصلحة السياسية لإمرار المناقصات الجديدة مع المطلب الشعبي بضرورة إقفال المطمر في أقرب فرصة. ومع تكرار تأجيل بتّ ملف النفايات داخل مجلس الوزراء، سيتحول النقاش في هذا الملف من الغرفة المغلقة إلى الشارع مطلع عام ٢٠١٥. وفي وقت تستجدي فيه الحكومة تمديد مطمر عين درافيل اشهرا اضافية، تغض وزارتا المال والداخلية الطرف عن دفع الحوافز المالية المستحقة لـ 12 بلدية محيطة بالمطمر، فيما بدأت تظهر الى العلن مشاريع لصرف هذه الاموال من خارج أرصدة البلدات
لم يستطع مجلس الوزراء أن ينجز ملف إطلاق المناقصات العائدة لإدارة النفايات المنزلية الصلبة، خلال جلسته الأخيرة لهذا العام، التي عقدت أمس في السرايا الكبيرة. البند الذي أُدخل على جدول أعمال مجلس الوزراء مساء أول من أمس، يتضمن رزمة من التعديلات التي طرحها وزير البيئة محمد المشنوق، وأقرت في اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة متابعة هذا الملف (راجع «الأخبار» العدد ٢٤٧٢ الأربعاء ١٧ كانون الأول ٢٠١٤).
وتشهد قرى الشحار الغربي اجتماعات مكثفة تحضيراً للاعتصام المزمع تنظيمه يوم ١٧ كانون الثاني المقبل، موعد انتهاء العقود الموقعة مع مجموعة افيراد (سوكلين وسوكومي) لإدارة النفايات المنزلية الصلبة في بيروت وجبل لبنان، وليس مستبعداً في حال عدم إقرار الملف قبل هذا الموعد أن يبادر النائب وليد جنبلاط إلى دعوة أنصاره إلى إغلاق الطريق المؤدية إلى مطمر عين درافيل، الأمر الذي سيعيد إلى مركز المعالجة والتخزين في الكرنتينا أكثر من ٢٠٠٠ طن من النفايات يومياً، وسرعان ما سيؤدي هذا الإجراء إلى توقف أعمال الجمع والكنس في العاصمة وبقية الأقضية وبقاء النفايات بالقرب من المستوعبات الخضراء، ما يعيد إلى الأذهان المشهد الذي حصل قبل عام.
نقاط خلافية عديدة تعرقل إقرار هذا الملف، أبرزها اعتراض أكثر من طرف سياسي، أبرزها حزب الكتائب، على الصيغة المقترحة، خصوصاً لجهة ترك الخيار للمتعهدين الذين سيشاركون في المناقصات، في تحديد المواقع والتقنيات المقترحة للمعالجة والطمر وفق شروط خاصة تُحدَّد في ملف التلزيم، الأمر الذي سينقل المواجهة بين الحكومة والسكان المعترضين على ترشيح مناطقهم لإقامة مراكز معالجة وطمر فيها، إلى نزاع بين السكان والقطاع الخاص الذي كُلف مهمة شبه مستحيلة لم تستطع الحكومات المتعاقبة إنجازها.
وعلمت «الأخبار» من مصادر وزارية أن النقاش أمس داخل مجلس الوزراء تضمن تهديداً صريحاً بسيناريو إغراق بيروت بالنفايات في حال عدم إقرار ملف المناقصات، فيما يطالب الوزراء المعترضون بضرورة إشراك اتحادات البلديات في هذا الملف وعدم تركه للقطاع الخاص، وضرورة أن يتضمن دفتر الشروط ضمانات تؤكد قيام المتعهدين بتدوير وتسبيخ ما لا يقل عن ٨٠ بالمئة من النفايات، كي لا تتكرر مأساة عين درافيل في مناطق أخرى، علماً أن دفتر التلزيم الحالي يترك هامشاً لطمر كمية تصل إلى ٤٥ بالمئة من الكمية الإجمالية من النفايات التي تدخل مراكز المعالجة، الأمر الذي ينفي صفة «مطمر صحي للعوادم» عن أي موقع مرشح ليكون مطمر للنفايات.
وتبين من الملخص الذي وزعته وزارة البيئة على الوزراء أول من أمس، أن ملف تلزيم معالجة وطمر النفايات الصلبة سيتضمن خمسة ملفات، كل ملف مستقل عائد لمنطقة خدماتية واحدة حسب التقسيم الجديد الذي يفترض أن يقره مجلس الوزراء كما يأتي:
أقضية الشوف وعاليه وبعبدا، محافظة بيروت وقضاءا المتن وكسروان، محافظتا لبنان الشمالي وعكار، محافظتا البقاع وبعلبك – الهرمل، ومحافظتا لبنان الجنوبي والنبطية. وبذلك سيكون على مجلس الإنماء والإعمار إطلاق عشر مناقصات خاصة لهذه المناطق، خمس مناقصات للكنس والجمع والنقل، وخمس مناقصات للفرز والمعالجة والطمر، على أن تكون الأولوية لبيروت وجبل لبنان والشمال (ست مناقصات) إلى حين استكمال ملفات الجنوب والبقاع، على أن يعطى كل عارض حق الاشتراك في مناقصة واحدة فقط، وهو أمر غير مبرر من الناحية التقنية ويعكس نية المحاصصة السياسية لمختلف الأفرقاء.
يترك ملف التلزيم خيار الاشتراك في المناقصات مفتوحاً أمام خيارين: الأول يرشح الشركات اللبنانية التي تستوفي شروط الخبرة المحددة في ملف التلزيم، وأهمها: أن يكون لديها حجم اشغال سنوي يفوق ٥٠ مليون دولار أميركي خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأن يكون العارض قد نفذ مشروعاً أو مشروعين مشابهين، أي معالجة النفايات المنزلية بذات التقنية المطروحة من قبل العارض، سواء مع طمر أو معالجة فقط، على ألّا تقل مجموعة كمية النفايات فيهما عن الكمية المحددة للمشروع المطروح، وعلى ألّا يعود تاريخ إنجاز العمل فيهما لأكثر من سنتين من تاريخ تقديم العرض، وألّا تقل مدة تنفيذ كل منهما عن أربع سنوات، أو أن يكون في عهدته، بتاريخ تقديم العروض، مشروع أو مشروعان مشابهان، بدأ بتنفيذهما قبل سنتين على الأقل وألّا تقل مدة تنفيذ كل منهما عن أربع سنوات على الأقل، وعلى ألّا يقل مجموع كمية النفايات فيهما عن الكمية المحددة للمشروع المطروح.
في المقابل، ترك ملف التلزيم الخيار مفتوحاً أمام الشركات الأجنبية للاشتراك في المناقصات بالائتلاف مع الشركات والمؤسسات اللبنانية المؤهلة لدى مجلس الإنماء والإعمار لتنفيذ المشاريع التي تتجاوز قيمتها عشرة ملايين دولار أميركي في فئات الطرق والمباني والأشغال المدنية، على أن تستوفي شروط الخبرة المحددة للشركات اللبنانية، شرط ألّا يتجاوز عدد الشركاء ثلاثة شركاء. أما بالنسبة إلى شرط حجم الأشغال السنوية، فيجب استيفاؤه بنسبة ٣٠ بالمئة كحدٍّ أدنى من كل من الشركاء منفردين، وعلى أن يستوفي مجموع حجم الأشغال السنوي لكافة الشركاء ٥٠ مليون دولار أميركي خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وينص الاقتراح على أن يكون فتح العروض على مرحلتين: المرحلة الأولى للملف الإداري والفني، والمرحلة الثانية للملف المالي للعروض المقبولة فنياً وإدارياً.
دفتر شروط المعالجة
يسمح بطمر ٤٥ بالمئة من الكمية الإجمالية
وتجري المفاضلة بين العروض المقدمة التي تقبل من الناحية الفنية والإدارية بعد تقويم نجاحها أو فشلها على أساس أدنى الأسعار، على أن يكون السعر السنوي المقترح يساوي الكمية المحددة في الملف مضروبة بالسعر الإفرادي للطن بالنسبة إلى المعالجة والطمر. مع الإشارة إلى أن ملف التلزيم يلحظ معادلة تعديل الأسعار في آخر كل سنة تعاقدية. أما بالنسبة إلى طريقة احتساب الكميات ودفع المستحقات لأعمال المعالجة والطمر، فيعتمد السعر الإفرادي التعاقدي للكميات الفعلية بغض النظر عن تقلبات الكميات.
ويشترط دفتر التلزيم أن تقع على عاتق المتعهدين ومسؤوليتهم ونفقتهم توريد وتركيب وتجهيز كافة المعدات والإنشاءات اللازمة لمراكز المعالجة والطمر الصحي، وتقع على عاتقهم ومسؤوليتهم ونفقتهم توفير الأراضي لمراكز المعالجة والطمر الصحي، على أن تعود ملكية كافة الأراضي والإنشاءات والتجهيزات الثابتة العائدة للمشروع، إلى الدولة اللبنانية بعد انتهاء فترة العقد. ويحدد ملف التلزيم أنّ على المتعهد المباشرة بالعمل خلال فترة ٩ أشهر من تاريخ توقيع العقد.
ملاحظات عديدة يمكن وضعها على الصيغة المقترحة في ملف التلزيم، أهمها مسألة الكمية القصوى للطمر (٤٥ بالمائة)، ما يعني أن المطامر الجديدة ستستقبل حكماً نفايات عضوية تسبب تلويث الهواء والتربة، وليس عوادم غير قابلة للمعالجة. كذلك لم يتطرق الملف إلى مسألة الإشراف على أعمال المعالجة والطمر، وهي تشكل ثلاثة بالمئة من إجمالي الكلفة، فهل سيترك الإشراف للمتعهد نفسه بعيداً عن أي رقابة من قبل شركة مختصة يجري التعاقد معها؟ أما الملاحظة الأبرز، فتتعلق بمهلة التسعة أشهر للمباشرة بالعمل، فهذه المهلة قضيرة جداً ولن تكون كافية لإنشاء مراكز معالجة، الأمر الذي يشير إلى أن الحكومة ستقبل في المرحلة الأولى أن تُطمَر النفايات من دون معالجة إلى حين استكمال بناء المراكز، ودائماً على قاعدة أن المتعهد استطاع إقناع السكان المقيمين والبلدية بأن ينشأ مطمراً في نطاقها العقاري، وهي مهمة «شبهة مستحيلة»!
بدورها قدمت الحركة البيئيّة اللبنانيّة، في بيان أمس، مجموعة من الملاحظات على ملف النفايات، أبرزها أنّ الخطة المطروحة تكرس الاحتكار والخصخصة وتعتمد مجدّداً على المركزية وتهمّش دور البلديات المكرّس بالنصوص القانونيّة. وأكدت الحركة البيئية رفضها للخطة، لأنها تعتمد على تقنيات معالجة غير بيئيّة كالحرق والطمر، بدل الفرز من المصدر وإعادة التدوير والتسبيخ الكامل للنفايات العضوية، الأمر الذي يلغي أي حاجة للمطامر أو المحارق. ورأت الحركة أن الجديد والخطير في هذه الخطة هو استقالة الحكومة من دورها والسماح للمتعهدين الجدد باختيار طريقة المعالجة الخاصة بهم ووضعهم في مواجهة الناس، فيما تكون الحكومة داعمةً لهؤلاء المتعهدين في حال النزاع. وإن الترويج لتقنية التفكك الحراري المكلف والملوّث والمرفوض من قبل البلديّات والمجتمع المدني والأهلي سيقضي على قطاع صناعة التدوير في لبنان. واتهمت الحركة وزير البيئة محمد المشنوق بتضليل الرأي العام، بالادعاء أنّ مطمر عين درافيل بحاجة إلى تمديد تقني لبضعة أشهر، علماً أنّ تفصيل الجدول الزمني الذي عرضه على الحكومة يبيّن أنّ المطمر لن يقفل قبل عام 2017.