IMLebanon

إختيار ملف النفايات واستثناء ملفّي تعطيل إنتخابات الرئاسة والكهرباء يؤكِّدان التوجّه السياسي للمحتجين

مؤشِّرات ووقائع على ارتباط التحركات الإحتجاجية بالصراع السياسي القائم

إختيار ملف النفايات واستثناء ملفّي تعطيل إنتخابات الرئاسة والكهرباء يؤكِّدان التوجّه السياسي للمحتجين

«لو كانت الاحتجاجات مستقلة لتفادت ملف النفايات الذي تتولاه الحكومة، ولم تهمل ملف انتخابات رئاسة الجمهورية وملف أزمة الكهرباء الضاغطين بقوة على اللبنانيين..»

في بداية التحرّك الاحتجاجي والمظاهرات التي قامت بها ما سمّيت «هيئات المجتمع المدني» للضغط على الطاقم السلطوي والسياسي للإسراع في حل مشكلة النفايات، تعاطف معظم اللبنانيين مع هذا التحرّك باعتباره يصدر عن شخصيات وهيئات مستقلة، لا تبعية لها أو ارتباط سياسي بأي حزب أو تيّار أو هيئة سياسية معروفة أو مشاركة في التركيبة السياسية الحاكمة حالياً، ولأن الشعار الذي تحرّكت على أساسه يهم كل اللبنانيين من دون استثناء ويعبّر عن معاناتهم ومطالبهم بحل هذه المشكلة التي تحوّلت إلى أزمة وطنية تُهدّد صحة كل المواطنين ورويداً رويداً ومع إتساع حركة الاحتجاج وانضمام مجموعات من المواطنين حولها وظهور شخصيات ورموز حزبية في وسطها وحتى بعض الوجوه الفنية المعروفة الانتماء السياسي وتحوّل الشعار الأساسي الذي تحرّكت لأجله، إلى المطالبة بإسقاط الحكومة وتغيير النظام السياسي وما إلى هنالك من شعارات ومطالب طرحتها تيارات وأحزاب سياسية كالتيار الوطني الحر وبعض حلفائه في قوى الثامن من آذار وما تزال تطرحها حتى اليوم، حتى بدأت الشكوك والتساؤلات تراود اللبنانيين عمّن يقف خلف هذه التحركات والاحتجاجات التي بدأت تتحوّل شيئاً فشيئاً عن الشعار الأساسي لمعالجة أزمة النفايات مروراً بإسقاط النظام ووصولاً إلى تسلّم السلطة في النهاية كما عبّر عن ذلك أكثر من مسؤول بارز في هذه الهيئات.

وما زاد في هذه الشكوك هو التصعيد الأمني الذي تلطى وراء هذه التحركات واستهدف قلب بيروت التجاري هذه المرة، بمشاركة مكشوفة لنماذج حزبية معروفة شاركت في الاعتداء الآثم على بيروت في السابع من أيار عام 2008 وخصوصاً من «حزب الله» وحركة أمل، في حين لم يُبادر المسؤولون عن هذه التظاهرات إلى إجراء أي تغييرات أو تبديل أطر وأماكن تحركاتهم لتفادي مزيد من التصعيد والاحتكاكات والفوضى وإعادة تصويب الوجهة الأساس لهذه الاحتجاجات لأجل تحقيق الهدف المطلوب من ورائها، أو تستفيد منها كحد أدنى لممارسة الضغوطات السياسية على الحكومة، إما لمنعها في ممارسة مهماتها حسب الدستور أو في فرض أمر واقع جديد على القوى السياسية المعترضة أو الرافضة لتفلت سلاح «حزب الله» ومشاركته بالحرب في سوريا خلافاً لرغبة معظم اللبنانيين أو الانصياغ لمطالب النائب ميشال عون بانتخابه رئيساً أو تعيين صهره قائداً للجيش قبل انتهاء مدة خدمته بالجيش بعد أسابيع معدودة.

أما الدليل الأهم الذي زاد في يقين النّاس بوجود اختراقات أو توجهات في هذه التحركات الاحتجاجية هو اختيارها ملف النفايات في حين أن هناك ملفات ضاغطة أخرى مهمة وملحّة تجاوزتها ولم تثرها أبداً في مطالبها أو شعاراتها ومنها ملف تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية وملف أزمة الكهرباء المستعصية منذ زمن بعيد.

والسؤال هو لماذا اختارت هذه الحركة الاحتجاجية ملف النفايات دون الملفين الآخرين؟

البعض يرى أن انتقاء ملف النفايات لهذه التحركات الاحتجاجية والانتقال منه إلى تبني شعارات طرحها «التيار العوني» وحليفه «حزب الله» كإسقاط النظام وتوجيه الضغط باتجاه الحكومة عشية عزم رئيسها على تفعيل عملها وتجاوز التعطيل باعتماد نصوص الدستور بأكثرية أعضائها، يعطي الانطباع بتبعية غير مباشرة للقائمين على هذه الحركة لتحالف «حزب الله» وعون خلافاً لكل ما قيل وطرح عن حياديتها لتحال واستقلالها عن كل الأطراف السياسية دون استثناء، لأنها لو كانت بالفعل حركة مستقلة تماماً ولا صلة لها بالاطراف والجهات السياسية والحزبية أو حتى الأمنية أيضاً، لتفادت اختيار ملف النفايات الذي تتولى معالجته الحكومة ووزراء من «تيار المستقبل» وحلفائه في الحكومة، وإهمال ملف انتخابات رئاسة الجمهورية وملف أزمة الكهرباء الضاغطين بقوة على الدولة وكل اللبنانيين، الأمر الذي يعتبر أيضاً بمثابة نقطة ضعف أساسية في هذا التحرك ويطوقه من أكثر من اتجاه.

فمن المعروف أن ملف رئاسة الجمورية المعطل بقرار مباشر ومكشوف من تحالف «حزب الله» وعون لاعتبارات إقليمية، يؤثر على كل مفاصل الدولة وهيبتها وفاعليتها وقدرتها على الاستمرارية وتوفير متطلبات وحاجات المواطنين، وتكاد تطغى أهميته على أي ملف أو أزمة أو مشكلة موجودة في الوقت الحاضر لأنه ينسحب على كل النّاس دون استثناء، أما تجنّب إثارته أو طرحه أو المطالبة بحله في هذه التحركات، يعني تجنّب التصويب أو انتقاد الطرف الذي يعطّل هذه الانتخابات أياً كان، وهذا الواقع يعطي مؤشراً إضافياً على انحياز هذه التحركات إلى جهات وأطراف سياسية دون أخرى.

أما ملف الكهرباء الذي يتولاه حالياً الفريق الذي عيّنه وزير الطاقة السابق جبران باسيل بدعم من حليفه «حزب الله» والذي استحصل من خزينة الدولة على مليارات من الدولارات وخصوصاً في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة ولم يحصل أي إنجاز أو تقدّم في هذا القطاع، بل زادت الأمور سوءاً بالرغم من كل الوعود التي قطعها الوزير السابق لتوفير التيار الكهربائي لكل اللبنانيين جرّاء صرف مئات الملايين من الدولارات التي لم يعرف من استولى عليها وكيف صُرفت، في حين يُعاني كل لبنان من انقطاع التيار الكهربائي المستمر ويدفع كل لبناني مبالغ إضافية طائلة من دخله يومياً جرّاء هذا التردي الحاصل، فلماذا تمّ تحييد هذا الملف أو المشكلة المزمنة عن المطالب الاحتجاجية المطروحة؟

وفي الخلاصة، يلاحظ بوضوح أن اختيار الحركة الاحتجاجية شعار مشكلة النفايات المطروحة وتحوّل هذا الشعار باتجاه المطالبة بإسقاط الحكومة وإسقاط النظام باعتبار ذلك موجّهاً ضد القوى السياسية المنضوية ضمن تحالف قوى 14 آذار وتجنّب التطرق إلى الملفات الملحّة كملف تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية كما هو معروف للقاصي والداني وملف أزمة الكهرباء، يعني أن هذه الحركة الاحتجاجية ليست بعيدة أو منفصلة عن الجهات السياسية التي تقف وراء تعطيل هذين الملفين المهمين والحيويين في انتظام عمل الدولة ككل ومعيشة اللبنانيين، فيما اختيار ملف النفايات دون غيره يعني أنها تصوّب على جهات وأطراف دون أخرى مهما تذرعت بدواعي الحياد والاستقلالية ولولا ذلك لتناولت الملفات الثلاثة دون استثناء..