بعد تشكيل الحُكومة الحاليّة وتعيين وزير بيئة جديد هو الوزير فادي جريصاتي، تمّ إطلاق الكثير من الخُطابات البرّاقة والوُعود الرنّانة بشأن ملفّ النفايات، حيث أكّد وزير البيئة نفسه أنّ العمل قائم على تنفيذ خُطة بيئيّة تُنهي أزمة النفايات في كل لبنان، مُشيرًا إلى إنتظار مُوافقة الحكومة، وطالبًا دعم البلديات والمواطنين على حدّ سواء. لكن اليوم، وبعد مُرور ستة أشهر على تشكيل الحُكومة، تبخّرت الوُعود، وعادت لغّة التهرّب من المسؤوليّات، والأسوأ أنّه عادت أزمة النفايات لتُطلّ برأسها بحدّة في أكثر من منطقة. فما الذي يحصل، وهل ستتكدّس النفايات في الشوارع من جديد؟
أوساط بيئيّة مُتابعة للملفّ المذكور، ذَكّرت بأنّ أزمة النفايات في لبنان ليست بجديدة، وهي كانت تفاقمت بشكل كبير في العام 2015 بعد قرار وقف شركتي «سوكلين» و«سوكومي» عن العمل، ومن ثم مع قرار إغلاق مطمر الناعمة، في الوقت الذي فشلت فيه كل الإقتراحات بإنشاء مطامر بديلة، إن في منطقة سرار في عكار، أو في منطقة المصنع في سلسلة جبال لبنان الشرقية، أو في المنطقة الجرديّة الفاصلة بين جنتا ويحفوفا شرقي بعلبك، إلخ. وذلك بسبب مُزايدات سياسيّة وحساسيّات طائفيّة ومذهبيّة حيث رفض أهالي مُختلف المناطق اللبنانيّة أن تكون قراهم أو بلداتهم مكانًا لرمي نفايات الآخرين! وأضافت أنّه حتى إقتراح توزيع النفايات على مطامر جديدة صغيرة تُقام في المُحافظات وفي الأقضية، وفق نظام مركزي لجمع النفايات، فشل في الحُصول على تأييد واسع، بسبب عدم وُجود أي أراض مناسبة لهكذا حُلول في بعض الأقضية المُزدحمة سُكانيًا. وتابعت الأوساط البيئيّة نفسها أنّ كل الإقتراحات والحُلول التي إعتمدت منذ تاريخه جاءت إرتجاليّة وعشوائيّة، وخُصوصًا ظرفيّة، ومنها مطمر «كوستا برافا» الذي حُدّدت قُدرته الإستيعابيّة بأربع سنوات، على أن يتمّ إدخال ألف طُنّ من النفايات إليه يوميًا، لكنّ رمي النفايات فيه بشكل عشوائي ومن دون أي عمليّات إعادة تدوير، جعله يقترب من قُدرته القُصوى قبل إنتهاء هذه المدّة. وأشارت الاوساط الى أنّ هذا الواقع ترافق مع فشل المَعنيّين في إيجاد مطامر أخرى في المناطق، وفي إنتزاع المُوافقة على الحلول الرديفة، مُوضحة بأنّه لم يتم توزيع النفايات بين «كوستا برافا» و«برج حمّود» بشكل عملاني، في الوقت الذي فشلت فيه الجهات المعنيّة في إيجاد مطمر ثالث لمنطقتي الشوف وعاليه، بحيث غرق مطمر «كوستا برافا» بآلاف الأطنان التي تتكدّس بشكل تصاعدي سريع.
واليوم، وما أن أعلن رئيس إتحاد بلديّات الضاحية الجنوبيّة محمد درغام أنه سيتمّ إقفال مطمر «كوستا برافا» بوجه النفايات التي تُرسل إليه من مُختلف المناطق، باستثناء نفايات الضاحية الجنوبيّة والشويفات «لأن المطمر لم يعد يحتمل، ومنعًا لعودة النفايات إلى الشوارع سريعًا»، حتى عادت السُخونة إلى هذا الملف الحيوي. ورأت بعض الأوساط السياسيّة أنّ ما يحصل قد يكون مُرتبطًا بنوع من الضُغوط السياسيّة التي تُمارس على كل من رئيس الحكومة سعد الحريري وعلى النائب وليد جُنبلاط، لدفعهما إلى تليين موقفهما من أزمة أحداث قبرشمون والبساتين، باعتبار أنّ وقف جمع النفايات في الشوف وعاليه سيُفجّر مُشكلة كبيرة في «الجبل»، وكذلك باعتبار أنّ التمييز بين المناطق سيُحرج مُتعهّد المطمر، جهاد العرب، المحسوب على «تيّار المُستقبل»، خاصة وأنّه تردّدت معلومات مفادها أنّ أنصار «الحزب الإشتراكي» ينوون قطع طريق المطمر أمام كل شاحنات النفايات من أي مصدر أتت، في حال عدم إستقبال نفايات «الجبل»!
في المُقابل، أكّدت أوساط سياسيّة أخرى أنّ ما يُحكى عن إستهداف سياسي هو من نسج خيال مُطلقيه، مُشدّدة على أنّ الموضوع مَحصور بالجانب البيئي، وتحديدًا بالجانب التقني لقُدرة مطمر «كوستا برافا» على الإستيعاب، بعد عدم تنفيذ الوُعود بإيجاد مطامر رديفة له لباقي المناطق. وسخرت الاوساط من الحديث عن إستهداف «الحزب التقدمي الإشتراكي» من قرار وقف إستقبال نفايات منطقتي الشوف وعاليه، وكأنّ للنفايات هويّة سياسيّة أو كأنّ باقي سُكان «الجبل» المُنتمين إلى قوى سياسية أخرى لن يتأثروا بالقرار! وشدّت هذه الأوساط على أنّ المشاكل التقنيّة الخاصة بملفّ النفايات تعمّ لبنان، مُذكّرة بما يحصل في الشمال حاليًا حيث تُوجد حاليًا مُعارضة شعبيّة واسعة لتحويل منطقة الفوار في قضاء زغرتا إلى مطمر لنفايات أقضية زغرتا والكورة والمنية والضنية وبشرّي، من دون أن يكون للمسألة أي خلفيّة سياسيّة.
وبغضّ النظر عن الأسباب الحقيقيّة للأزمة المُستجدّة، سارع رئيس الحكومة سعد الحريري إلى عقد لقاءات مع عدد كبير من الوزراء ورؤساء البلديات، بشأن ملف مطمر «كوستا برافا»، للفلفة المَوضوع قبل تفاقمه، لكن – وبحسب المعلومات التي تسرّبت عن الإجتماعات التي عقدها، فإنّ الحُلول التي جرى التداول فيها ركّزت على ضرورة عدم إتخاذ أي إجراء حاليُا من شأنه التسبّب بتكديس النفايات في الشوارع من جديد، على أن يبدأ العمل سريعًا على إيجاد بدائل تُخفّف الضغط عن «كوستا برافا»، وتُمدّد قُدرته الإستيعابيّة، إفساحًا في المجال أمام الحُلول الجذريّة التي يُعمل عليها، ولكنّها لم تنضج بعد!
وبالعودة إلى الأوساط البيئيّة فقد أسفت لإستمرار السُلطة في لبنان، في إدارتها الفاشلة لملفّ النفايات، ما يتسبّب بإستمرار تلويث الجبال والمياه الجوفيّه، والشواطئ ومياه البحر، وفي إستمرار تلويث الهواء وإنبعاث السُموم المُضرّة وحتى المُسرطنة والقاتلة، ناهيك عن الروائح المُقزّزة، في الوقت الذي بُحّت فيه أصوات المُنادين بتوفّر الحلول: بدءًا بالفرز من المصدر، مُرورًا بالتذويب وإعادة التدوير والتصنيع من جديد، وبمُعالجة النفايات العضوية وتحويلها إلى أسمدة، وُصولاً إلى طمر أجزاء قليلة جدًا من النفايات في مطامر صحّية صغيرة الحجم. وختمت هذه الأوساط كلامها بالقول: «طالما أنّ الكثير من التقارير تتحدّث عن سمسرات مالية وعن عشرات ملايين الدولارات من الأرباح شهريًا، لصالح كل الجهات المُشاركة في الحلول الفاشلة والظرفيّة للنفايات، فإنّ الأزمة ستستمرّ، وستعود في كل مرّة إلى نقطة الصفر من جديد، ليتراكم هدر مئات الملايين أكثر فأكثر بدون أي حلّ!».ا