اصبح واضحا اليوم، ان انفجار ازمة النفايات منذ سنة ونيّف، كان مفتعلا ومقصودا به، ان تكبر الازمة وتغرق المدن والبلدات بالنفايات على انواعها، ويرتفع صراخ الناس ومطالبتهم بأي حلّ ينقذ المواطنين من الروائح والسموم والاثار المهلكة التي تنتجها النفايات «المخمّرة» بالحرارة والامطار والقوارض والحشرات، ما يسمح للمسؤولين الذين ينتظرون هذه اللحظة «لإعادة الاعتبار» الى الشركات والمتعهدين الذين يحوّلون النفايات الى ذهب خالص يذهب الى جيوبهم وجيوب حماتهم وشركائهم، وهذا ما حصل.
هناك شبه اجماع عند خبراء البيئة ان النفايات، خير كلّها اذا حسنت معالجتها، وشرّ كلها وحاملة امراض، ومدمّرة للبيئة اذا ساءت معالجتها، وخصوصا في ما يتعلق بالفرز، ويؤكد هؤلاء الخبراء على الآتي «افرز جيدا تنج من الكارثة»، «اهمل الفرز تقع في المحظور ». وقد ثبت بالوجه الشرعي ان الشركات المتعهدة لم تلتزم بهذه الوصية، لا اثناء «تشييد» مطمر برج حمود، ولا مطمر الناعمة، وحاليا لا مطمر الكوستابرافا ولا مطمر برج حمود رقم 2، معتمدة على حماتها وشركائها، و«الشعب يروح يبلّط البحر».
لبنان. مع بدايات العودة الى المدارس والجامعات، واقتراب فصل الخريف والامطار، عادت النفايات الى شوارع مدنه وبلداته وخصوصا في منطقتي المتن الشمالي وكسروان وفي العاصمة بيروت، جنبا الى جنب مع المهرجانات السياحية التي يحييها العديد من الفنانين الاجانب والعرب، واستعدت محطة «C.N.N» لتصوير تحقيق عن انهار النفايات في لبنان، والسؤال الذي يطرحه اللبنانيون اليوم، من هو المسؤول عن عودة النفايات الى بيوتنا؟ هل هو حزب الكتائب وحزب الطاشناق اللذان اغلقا مداخل مطمر برج حمود بوجه شاحنات النفايات، او هو وزير الزراعة اكرم شهيب المكلّف حكوميا بإدارة ملف النفايات، او هي الشركات الملتزمة التي اخلّت بشروط العقد، ولم تجد من يقول لها «محلا الكحل في عينك».
في الواقع الجميع مسؤولون ولكن بنسب متفاوتة، فحزب الكتائب الذي وافق على الخطة الحكومية لاستخدام مطمر برج حمود، اقدم على اقفال احد منافذ المطمر، بعدما تبيّن له ان متعهد الفرز لا يفرز كما نص العقد وبالتالي فإنه يحوّل المطمر الى قنبلة موقوتة ستنفجر بأهالي المتن الشمالي وبعابري الطريق القريبة من المطمر، ولاحقا وللاسباب عينها تضامن معه حزب الطاشناق واقفل نهائىا الطريق المؤدية الى المطمر، علما بأن الحزبين وافقا على خطة الحكومة مكرهين وبهدف تنظيف الشوارع والطرقات من النفايات ولكنهما باقفال المطمر دون خطة بديلة سريعة تمنع تراكم النفايات مجددا، ساهما بعودة كابوس النفايات الى الشارع وبدلا من وجود مطمر واحد كبير تراكمت مئات المطامر في بلدات المتن وكسروان وفي العاصمة بيروت، لكن المسؤولية الكبيرة يتحملها متعهد الفرز الذي لا يفرز اكثر من 10 بالمئة من النفايات و«يكبّ» الباقي في مكبات تحمل زورا اسم مطامر صحية وهي في حقيقة الامر مكبّات لنشر الروائح الكريهة والامراض ولتلويث الهواء والبحر والثروة السمكية، دون مراقبة مسؤول او محاسبته، او وقفه عن العمل. واذا كانت عملية الفرز هي التي تسبب جميع هذه المشاكل، فلماذا لا تنصرف الدولة بالتعاون مع البلديات على انشاء عشرات معامل الفرز بدلا من احتكارها من قبل شركة وحيدة لا تقوم بواجباتها، ولماذا لا تسنّ تشريعات بالزام المواطنين فرز نفاياتهم واعطائهم تقديمات مالية عن طريق البلديات لشراء اكياس للنفايات لأن هناك عائلات غير قادرة على شراء اربعة اكياس مختلفة اللون والحجم يوميا، المهم الآن ان توقف الكارثة قبل استفحالها وهذه من مسؤولية الجميع.