ينحو ملف النفايات منحى خطيراً مع غرقه في مستنقعات التفرقة الطائفية والمناطقية رغم ان المخاطر البيئية والصحية لا تفرق بين مواطن وآخر. فمواصلة التيار «الوطني الحر» التمسّك بأولوية البحث في آلية اتخاذ القرارات على طاولة مجلس الوزراء، بغض النظر عن المستجدات الداهمة، قد يهدد مصير حكومة الرئيس تمام سلام، وحدها شبه العاملة بعد فراغ الرئاسة الاولى وشلل المجلس النيابي.
فالنائب ميشال عون يبدو مصمماً على مواصلة الاشتباك مع الرئيس سلام ليكون عنوان الاشتباك المحلي، زوراً، مسيحياً – سنياً بدل ان يكون شيعياً – سنياً على غرار ما هو مستشرٍ في المنطقة. لكن الرئيس سلام تخطى بحكمته وصبره مخاطر انفراط عقد آخر جلسة حكومية، اذ وعد في نهايتها بتجديد البحث، في مطلع جلسة اليوم، بآلية اتخاذ القرارات في ظل الفراغ الرئاسي. وكان ذلك قبل ان تجتاح تلال النفايات ارصفة بيروت وقبل ان يغطي دخان احتراق بعضها سماء العاصمة.
فبوضوح وصراحة كشف مقرب من النائب عون عن العزم على دفع سلام للاستقالة، وان ادى ذلك الى اخذ البلد الى مجهول دستوري وامني. وقال لصديق سيادي «انجاز الاتفاق النووي يعني انتصار حلفائنا وبالتالي سنفرض شروطنا على الدولة». فعون يستقوي بدعم «حزب الله» وسائر الحلفاء لمواقفه. لكن هذا الدعم لم يتخط المستوى اللفظي في المفاصل الاساسية مثل السعي لاسقاط الحكومة او اللجوء الى الشارع او الترويج للفيدرالية. ويقول الصديق السيادي: «لقد فشل عون في تجييش فعلي لحلفائه المحليين يتخطى حدود الإطار اللفظي، كما فشل في لفت نظر الخارج لنضاله المزعوم من أجل استعادة حقوق المسيحيين المسلوبة» لأن هدفه بوضوح تجديد الزعامة عبر شد العصب الطائفي.
ويلفت المصدر الى مدى سذاجة القائلين بان الاتفاق النووي يشكل «انتصاراً كاملاً« لإيران. ويقول «قطعة التوازنات الداخلية في البازل مفقودة« وهي التي تؤثر فعلياً على توازنات المنطقة ولا يمكن بالتالي «تصور المعادلة التي سترسو عليها اذا لم يتضح مآل الطرف الداخلي المستفيد من رفع العقوبات: الاصلاحيون او المتشددون». ويطرح بضعة تساؤلات منها «هل سيصب التوقيع في مصلحة انقاذ النظام ام إنقاذ هيمنته الإقليمية؟«، و»هل ستستفيد ايران من الاتفاق كما استفاد بشار الاسد من الاتفاق على الكيماوي بإطالة عمر نظامه المتهاوي حكماً«.
لكن دفع سلام للاستقالة هو دفع للبلد نحو المجهول. فلمن سيقدم استقالته ومن سيقبلها ومن سيجري استشارات نيابية لتكليف شخصية أخرى ومن ومن.. خصوصاً أن البلد في مواجهة مخاطر امنية سواء منها القديمة الناجمة عن قتال «حزب الله« الى جانب بشار الاسد، او تلك المستجدة كما خطف التشيكيين. ويلفت المصدر الى ان حوادث الاختطاف، سواء للتشيكيين او قبلهم لمواطنين استونيين في آذار 2011 او لمواطنين أتراك في آب 2013، وقعت جميعها في مناطق نفوذ «حزب الله».
ويتوقع الصديق السيادي ان يكون موقف عون أكثر تصلباً بعد زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع للمملكة العربية السعودية والتي لها مفاعيل بالغة الاهمية: وطنياً، وعلى مستوى «قوى 14 اذار«، ومسيحياً، حتى وإن أدرجها البعض في إطار سعي المملكة لتجميع أوراق قوة بعد الاتفاق النووي.
فعلى المستوى الوطني تحيي الزيارة وتذكّر بدور «القوات اللبنانية» في ترسيخ «اتفاق الطائف«، الذي تشكّل زعزعته خسارة ديبلوماسية للسعودية التي لعبت دوراً مفصلياً في إنجازه. فالزيارة أتت في لحظة تاريخية تضع الاتفاق على طاولة التشكيك تمهيداً للوصول الى مؤتمر تأسيسي. كما أن اجتماع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بجعجع مؤشر إضافي على حق «قوى 14 آذار« في استكمال المواجهة الشرسة مع 8 آذار.. ومسيحياً تطمئن الزيارة ابناء الطائفة سواء المنتشرين في دول الخليج او في المشرق بوجه عام لما يمثله العاهل السعودي من ثقل اقليمي.