لعلّ معظم الذين تعاطوا مع ملف النفايات والخطط التي وضعت منذ العام 2017 لمواجهة خطر إغراق لبنان فيها، يعربون صراحة عن دهشتهم لمستوى العجز الفاضح في إيجاد خطة مستدامة، وليس انتقالية، لإقفال هذا الملف بصورة نهائية وإعلان الإنتصار في معركة النفايات. وإذا كان الوزراء المعنيون بالتعاطي مع هذا الملف في حكومتي الرئيسين تمام سلام وسعد الحريري يتقاذفون الإتهامات إزاء كل الحلول التي تم اعتمادها وانتهى تاريخ صلاحيتها مع مطلع العام الجديد، فإن كل المؤشّرات الحالية تنبئ باستمرار ملف النفايات في دورانه بالحلقة المفرغة التي أدخلته فيها السجالات السياسية، وذلك بعدما وجدت الهيئات والجمعيات البيئية أن الخطة التي يعكف عليها مجلس الوزراء في المرحلة المقبلة، لا تتناغم مع الخيارات البيئية، وهي تقترب لأن تكون سيناريو تسوية مستنسخة من الحكومة السابقة، وترتكز على خيارين، الأول توسيع المطامر الحالية. والثاني العودة إلى خيار المحارق.
وفيما لم يدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء المنعقد اليوم أي بند متعلّق بهذه الأزمة، كشفت مصادر وزارية مطّلعة عن أن لا مفرّ أمام اللجنة الوزارية التي تبحث في هذا الملف، إلا الذهاب نحو مرحلة انتقالية تعيد المعالجات إلى المربّع الأول من حيث النقاش، كما من حيث اقتراح الحلول والمقاربات. ولفتت إلى أن كل ما تحقّق حتى اليوم، لا يعدو كونه مجرّد إدارة لهذه الأزمة المستعصية، وذلك للحؤول دون تكدّس النفايات في الشوارع وتعريض المواطنين لخطر التلوّث والأمراض، وتشويه البيئة اللبنانية. وأكدت أن الوصول إلى حل مستدام لهذه الأزمة، دونه محاذير وعوائق سياسية في الدرجة الأولى، كون المعايير السياسية تلعب دوراً لا يستهان به في تحديد خارطة توزيع المطامر والمحارق في مناطق نفوذ القوى السياسية والحزبية، فيما يدخل عنصر المحاصصة في عمليات الردم المطروحة حالياً بالنسبة لمطمري برج حمود و«الكوستا برافا»، مع ما تتضمنّه هذه العمليات من إجراءات مرتبطة بردم أكثر من نصف مليون متر مربّع من البحر بكلفة تتجاوز الـ100 مليون دولار.
وبحسب المصادر نفسها، فإن أسباب تأخير إقرار الحلول، هي سياسية وتنطلق من إرادة واضحة بمنع البلديات من أن تقوم بأي دور فاعل في هذا المجال، وبالتالي، دفع القضية نحو تكوين أمر واقع يجعل من خطة توسيع المطامر الحل الوحيد المتاح لمنع عودة النفايات إلى شوارع بيروت وضواحيها.
ومعلوم أن المطامر التي جرى اعتمادها في الحكومة السابقة كان من المتوقّع أن تخدم أربع سنوات، كما أوضحت أوساط نيابية سبق وأن تعاطت بهذا الملف الشائك. وأضافت أنه بعد مرور أقلّ من عامين، عاد الحديث فجأة عن أزمة النفايات، وعن التهديد بإغراق لبنان فيها، كما عن عجز المطامر الحالية عن استيعاب كميات من أطنان النفايات. وأضافت الأوساط، أن ما هو حاصل اليوم، يبدو وكأنه حملة تهويل منظّمة في توقيت سياسي لافت ودقيق، وذلك بهدف تحقيق غايات سياسية ومادية باتت معلومة من الجميع.