IMLebanon

النفايات… والموت البطيء

تأجلت الرئاسة فانتعشت النفايات، لعلَّه الشعار الأقسى على عقول اللبنانيين لكن هذا لا يمنع من القول إنَّه موجودٌ وواقعيّ وحقيقي.

إنشغل اللبنانيون لهنيهات بالواقع الرئاسي المتدهور فسها عن بالهم أنَّ إمبراطورية النفايات إقتربت من أن تقع في قبضة العدالة.

الخبر مرَّ خلسةً، لم يُعطَ حقه في الإهتمام، ربما لأنَّ أخطبوط النفايات متمدِّد في الصفحات والأثير والشاشات.

يقول الخبر:

إدعى النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم على شركتي سوكلين وسوكومي بجرم هدر المال العام، من خلال عدم الإلتزام بالواجبات المفروضة عقدياً وقبض مبالغ غير متوجبة وعدم تنفيذ أشغال كانتا قد التزمتا بتنفيذها.

وجاء الإدعاء على الشركتين بشخص المديرين العامين لهما وشمل الإدعاء شركتي جي جي جونز و Lececo لعدم مراقبتهما الشركتين بشكل سليم.

ينتهي الخبر هنا لتبدأ الفضيحة:

سوكلين لم تنفِّذ أشغالاً كانت قد التزمت تنفيذها؟

ماذا يعني هذا الأمر؟

يعني بحسب العالمين والخبراء أنَّ سوكلين كانت تجمع وتطمر لكنها لم تكن تعالج، وهذا ما جعل مطمر الناعمة يمتلئ قبل أوانه، لأنها لو عالجت لكانت العوادم التي لا بد من طمرها، تشكِّل عشرين في المئة فقط من حجم المساحات التي تحتاجها النفايات، لكن حين يتمُّ طمر كلِّ شيء من دون معالجة، فطبيعيٌّ أن يمتلئ مطمر الناعمة قبل أوانه وتمتلئ الجيوب بسرعة قياسية.

أما الشركتان الأخريان التي تمّ الإدعاء عليهما، فبدلاً من المراقبة بشكل سليم، عمدتا إلى التواطؤ مع سوكلين وسوكومي، فكانت تغطيان العدد المضخَّم للأطنان التي كان يتم جمعها.

الآن وصلنا إلى هنا، فماذا بعد؟

عند سقوط خيار الترحيل، وبما أنَّ المحارق تستغرق وقتاً، تقدّم خيار المطامر، لكن أين؟

المفاوِض محط الثقة الوزير السابق المصرفي العريق، مروان خير الدين طلب على عجل من الرئيسين بري وسلام، في محاولةٍ منه لاقناع المير طلال ارسلان بإعطاء الضوء الأخضر لاستخدام المنطقة المحاذية لمسبح الكوستا برافا كمطمر لنفايات الضاحية الجنوبية وجبل لبنان الغربي، والآلية ستكون من خلال بناء حاجز بحري ثم تجفيف المنطقة بين الشاطئ والحاجز بالنفايات ثم معالجتها، لكن السؤال هنا أو الأسئلة:

مَن يضمن ألا يتحوَّل المؤقت إلى دائم؟

مَن يضمن أن لا تتحوَّل المنطقة المردومة إلى فوضى إسكان على غرار ما هو حاصلٌ في الأوزاعي؟

خصوصاً أنَّ المساحات التي ستُردَم ستكون مغرية لتشييد الأملاك وإقامة مجمعات سكنية.

أكثر من ذلك فإنَّ اعتماد منطقة الكوستا برافا من شأنه أن يؤثِّر على سلامة الطيران المدني، وفق الخبراء. لماذا الإصرار على منطقة الكوستا برافا؟

لماذا لا تُعتَمَد منطقة معينة في صحراء الشويفات؟

الشفاف المير طلال إرسلان بإمكانه أن يقف في وجه هذه الخطة الجديدة، لأنَّ لا همّه المستفيدين بل النتيجة التي قد نصل إليها، وبإمكانه القول لا على عكس كثيرين من المحرجين بسبب تورطهم.

في هذه الحال، كيف ستتطوَّر الأمور؟

هل ستتم العودة إلى خيار مطمر الناعمة؟

هل صحيح أنَّ هناك خياراً آخر يتمثّل في منطقة أخرى في الإقليم؟

أياً تكن الخيارات، فلا بد للبناني أن يعلم أنَّ فضيحة النفايات ستؤدي إلى المضاعفات التالية، ونكتفي بتعدادها:

الربو، الحساسية، الكوليرا والتيفوئيد، كما أنَّ النفايات ستدفع البكتيريا والفطريات إلى التكاثر، ثم انتقالها بسلاسة إلى البيوت والأغذية والمأكولات والمياه والتسبب بالتسمّم الغذائي.

كما أنَّ الخبراء يجزمون بأنَّ حرق النفايات بالطريقة التي تتم، يُعتَبر من أهم مصادر الديوكسين الذي ينتقل في الهواء واللحوم والأجبان والبيض والسمك، ومن شأنه أن يسبب سرطان الكبد، الرئة، المعدة.

أين أنت دولة الرئيس عصام فارس؟

كم قهرك على وطنك من هذا التدنّي والتدهور والفضائح؟

لكن الشكر لدولتنا العظيمة.

كذلك الشكر لحكومتنا.

والشكر الأكبر إلى وزرائنا المعنيين.

تفتشون عن الوسيلة الفضلى للموت البطيء لشعبكم بدلاً من التفتيش عن الإنقاذ السريع له، أوليسَ أنتم معرَّضون أيضاً للأوبئة أم أنَّ التنفيعات تقضي على جميع الأمراض؟