في تاريخ اليوم 26 شباط 2016 تتوقف شركة “سوكومي” التابعة لشركة “سوكلين” عن تجميع النفايات من شوارع بيروت الرئيسية، وتصبح العاصمة ساحة لاحتواء النفايات وخسارة صورة المدينة الحديثة ولا نقول الراقية. فبيروت، باستثناء بعض الاحتفالات الفنية، والقسم من وسطها الذي لا يزال يستقبل الزوار، لم تعد راقية على صعيد معالم النظافة وتأمين المياه والكهرباء، ومنع ازدحام السير الى حد يضيع مئات الآلاف من ساعات العمل، وملايين الدولارات على أصحاب المصالح.
جميعنا نعلم ان نسبة 60 في المئة من النفايات في لبنان تترصد في بيروت التي يسكنها مع ضواحيها 55 في المئة من اللبنانيين المقيمين، وهذه البيروت وضواحيها لها معملان لمعالجة النفايات احدهما في الكرنتينا بطاقة 1150 طناً يومياً، والثاني في العمروسية – الشويفات بطاقة 1170 طناً يومياً.
لا تتجاوز النفايات في بيروت الـ1800 طن يوميًا وفي لبنان كلاً، الـ3000 طن يوميًا، ومعمل صيدا الذي هو خاص في ملكيته وتشغيله يمكن ان يعالج 500 طن يوميًا، ويبدو ان تشغيل هذا المعمل حفّز الفئات المعنية في صور على بدء تشغيل معملين احدهما في النبطية بطاقة 200 طن يوميًا وآخر في منطقة قريبة بطاقة 20 طناً يوميًا. الامر البالغ الاهمية ان لدينا معامل يمكن ان تعالج كامل النفايات التي تتجمع يوميًا في حال تشغيلها، واصحاب الاختصاص من المهندسين يؤكدون ان اصلاحات معمل الكرنتينا والعمروسية لن تحتاج إلى أكثر من ثلاثة أشهر وبتكاليف تقل كثيراً عما افترض تخصيصه للترحيل، الى أين لا أحد يدري؟
هنالك معامل اخرى لا تشغل ولا يبدو أن ثمة حماسة لتشغيلها، منها معمل في طرابلس بطاقة 300 طن يوميًا وآخر في زحلة بطاقة مماثلة، وكل هذه المعامل في النبطية وجوارها، وزحلة وطرابلس، انجزت بتمويل من الاتحاد الاوروبي، ولم تشغل بسبب تقاعس بلديات المناطق المعنية عن تشغيلها وصيانتها وإيجاد شبكات لتجميع النفايات وان امكن فرزها.
الوزير السابق، والمهندس المتميز، شربل نحاس اقترح تشغيل معملي الكرنتينا والعمروسية 24 ساعة يوميًا بحيث تكون طاقة الاستيعاب للمعملين مع التحقق من الصيانة وقطع الغيار على مستوى 2230 طناً 2= 4460 طناً يوميًا، أي ما يزيد بنسبة 50 في المئة عن مجموع النفايات التي تتركم يوميًا في لبنان.
مباشرة، يطرح السؤال: كيف لنا ان ننتظر ثلاثة أو أربعة أشهر قبل بدء تشغيل المعامل، وهل نستطيع حقيقة تحمل صبغة القهقرى والتخلف التي تصفع أعيننا كلما نظرنا الى تلة من النفايات أو جبل منها سواء أكانت مجمعة في أكياس أم متفلة؟
الجواب يقتضي النظر في أمرين: الأول كيف تجميع النفايات وتوضيبها قبل وضعها في المكان المناسب في انتظار انهاء ترميم المعملين، والثاني أين لنا ان نطمر النفايات في انتظار الفرج المنتظر؟
اذا كنا بالفعل دولة، واذا كان لبنان كياناً غير انطباع المزرعة، يستطيع الحكم ببعض الشجاعة تخصيص مناطق لاستيعاب نفايات أربعة أشهر في انتظار الفرج، ولا يمكن ولا يجوز الاختباء وراء الحجج المذهبية والطائفية والمناطقية.
توفير الموارد المالية لصيانة الكرنتينا والعمروسية وترفيع تجهيزات المعملين، يمكن ان يتوافر بل يجب ان يتوافر من احتياط بلدية بيروت التي كانت سابقًا مسؤولة عن تشغيل المعملين وابتعدت عن هذا الدور منذ تولت شركة “سوكلين” هذه المسؤولية.
تحوز بلدية بيروت احتياطياً يتجاوز الـ1.3 مليار دولار وعملية الترميم والترفيع للمعملين لا تكلف أكثر من 100 مليون دولار، والبلدية تضيف سنويًا الى احتياطها من الرسوم البلدية أكثر من التكاليف الجارية وتالياً لن تشعر بضيق مالي من تولي المسؤولية الملحة والتي في غير هذه تدفع عاصمة لبنان الى الحضيض.
أصحاب الخبرة في تجميع النفايات، سواء منهم العمال أو الفنيون أو السائقون أو المهندسون، متوافرون لدى شركة “سوكلين” وتفرعاتها وسيكون من الصعب بعد تسريحهم التوصل الى مجموعة مماثلة تستطيع تأمين العمل على الصورة المطلوبة.
اننا نطلب من بلدية بيروت المسارعة، اذا شاء مجلسها المحافظة على صورة العاصمة، الى التعاقد مع هذا الفريق وضمه الى مجموعة العاملين لدى البلدية، والعمل على استمرارهم من دون الانقطاع عن العمل ولو يوماً واحداً. فالخطر الداهم في لبنان ان اللبنانيين يعتادون تدني مستويات الخدمات العامة، ويبدأون البحث عن البدائل، وفي حين أن بدائل انقطاع الكهرباء متوافرة، وربما بدائل تجميع النفايات قد تتوافر بشكل عشوائي، من الافضل بكثير ان تضطلع البلدية بهذا الدور، فتحوز نسبة من ثقة سكان بيروت، وغالبيتهم لا تستشعر نشاطات البلدية، إلاّ في حديقة عامة هنا أو هنالك أو امكان النزهة في حرج بيروت.
من المؤكّد أن البلدية لن تقوم بما هو مطلوب في القريب العاجل ما لم يبادر وزير الداخلية، الذي هو المسؤول الاول عن نشاطات البلديات، الى تحفيز المجلس البلدي على اتخاذ القرارات الشجاعة.
ووزير الداخلية الذي نجح الى حد ملحوظ على صعيد الامن، وبادر الى طلب الاعتمادات المطلوبة لإجراء الانتخابات البلدية، وهذه خطوة تعتبر مع تلكؤ انجاز مشروع قانون انتخاب حديث ومتوازن، بمثابة البديل الموقت من الانتخابات النيابية.
اننا نعلم ان وزير الداخلية قادر ومقتدر، لكننا نعلم في الوقت ذاته ان همه الاساسي هو السياسة والسياسة والسياسة. فهموم الناس، ما عدا المخاوف الامنية، يتجاوزها في برنامجه اليومي، سواء في برنامج عمله أو فكره، وهو ابن بيروت ويعرف مدى الضرر اللاحق بها من تكديس النفايات وعجز المعالجات حتى تاريخه، فان هو كان يريد ان يكون له موقع في ضمير اللبنانيين وتقديرهم، عليه ان يبادر الى حث البلدية على التعاون مع عمال التنظيفات الحاليين والفنيين، وتأمين مطمر لفترة ثلاثة إلى أربعة أشهر يمكن بعدها معامل الكرنتينا والعمروسية وصيدا والنبطية وطرابلس وزحلة معالجة النفايات وتأمين ما يوازي 10 في المئة من حاجات استهلاك الكهرباء في لبنان وتصدير ألف طن من الاسمدة سنويًا. نأمل ان نرى نتيجة كهذه.