IMLebanon

برج الأسد وأبراج لبنان وردّ الجيش: حدودنا عرضنا

 

لماذا استفاق النظام السوري بعد 15 عاماً على مسألة أبراج المراقبة التي أقامها الجيش اللبناني على الحدود الشمالية والشرقية من مصبّ النهر الكبير في الشمال إلى ما بعد منطقة راشيا في البقاع؟ ولماذا اعتبر أنّها تهديد لأمنه القومي؟ في الواقع لم تكن هذه الإستفاقة جديدة فقد اعترض هذا النظام على فكرة إقامة هذه الأبراج قبل البدء بتنفيذها تطبيقاً للقرارَين الدوليَّين 1701 و1680 اللذين يشيران مباشرة إلى عمليَّتَي ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وإلى ضبطها.

لا يحتاج لبنان إلى تقديم تبريرات كثيرة للردّ على الطلب السوري باعتبار أنّ هذه الأبراج تتعلّق أيضاً بحماية أمنه القومي ولا تنعكس أبداً سلباً على الأمن القومي للنظام السوري. فحماية الحدود تؤمّن حماية الأمنين اللبناني والسوري. ولكنّ النظرة السورية لهذه الحدود هي التي تبرّر ما يشكو منه النظام في دمشق.

 

منذ قيام دولة لبنان الكبير اعتبر هذا النظام أن الحدود الدولية والرسمية التي لحظها الدستور اللبناني هي حدود رسمها الإستعمار، لأنّه لم ينظر إلى لبنان كدولة مستقلة، وطالما اعتبر أنّ لبنان لا يجب أن يكون إلا جزءاً من سوريا. ولذلك استباح هذه الحدود وتعاطى معها وكأنها وهمية. والشواهد التاريخية كثيرة من خلال انتهاك الأنظمة التي تتابعت على حكم دمشق لهذه الحدود وإرسال الأسلحة والمسلحين عبرها إلى لبنان لهزّ استقراره والعمل على السيطرة عليه. حصل ذلك قبل أحداث العام 1958، وبعدها عاميْ 1968 و1969 عندما ضغطت دمشق لفرض اتفاقية القاهرة على لبنان، وعام 1973 لمنع الجيش اللبناني من حسم المواجهة ضد المسلحين الفلسطينيين قبل أن تندلع الحرب في 13 نيسان 1975 ويبدأ دخول الجيش السوري إلى لبنان.

 

حدود السيادة اللبنانية

 

شكّل استكمال انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005 حداً فاصلاً بين مرحلتين: مرحلة السيادة السورية على لبنان ومرحلة استعادة السيادة اللبنانية برعاية دولية، بدأت مع القرار 1559 في 2 أيلول 2004، واستكملت مع القرار 1680 في 16 أيار 2005، ثم مع القرار 1701 في 12 آب 2006.

 

قرار مجلس الأمن الدولي 1559 طلب سحب الجيش السوري من لبنان. لم تعترف سوريا في البداية به واعتبرت أنه حبر على ورق ولكنّها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وجد رئيسها بشار الأسد نفسه مرغماً على تنفيذه. وهو اعتبر هذه الخطوة بمثابة الإنكفاء نحو الدفاع عن نظامه من داخل حدوده. وأتى القرار 1680 ليؤكّد على السيادة اللبنانية من خلال المطالبة بترسيم الحدود بين البلدين.

 

ثم أتى القرار 1701 بعد حرب تموز 2006 ليؤكّد في البند 14 على حماية الحدود اللبنانية البرية والبحرية والجوية وعلى تقديم القوات الدولية في لبنان الدعم الكامل لأي طلب تتقدم به الحكومة اللبنانية يتعلّق بهذا الأمر. منذ ذلك التاريخ وعندما بدأ تطبيق هذا القرار، وبعد الحديث عن إمكانية نشر قوات دولية إلى جانب الجيش اللبناني على نقاط محددة عند الحدود بين لبنان وسوريا، اعتبر نظام الأسد أنّ مثل هذا الأمر يمثّل تهديداً لأمنه القومي ورفضه بشكل مطلق. ولذلك تأخّر التزام لبنان بتطبيق مندرجات القرارات الدولية الثلاثة حتى العام 2009.

 

أبراج الجنوب وأبراج الشرق

 

الإعتراض السوري الجديد أتى بعد الإقتراحات الدولية الكثيرة حول تطبيق القرار 1701 في الجنوب لوقف الحرب المشتعلة هناك منذ 8 تشرين الأول الماضي، ومن بينها اقتراح بريطاني يتعلق بإقامة أبراج مراقبة على الحدود بين لبنان وإسرائيل مشابهة للأبراج الموجودة بين لبنان وسوريا. لذلك تم الربط بين هذا الطلب وبين الأمن القومي السوري. عندما بدأ تطبيق القرار 1701 كان «حزب الله»، كما نظام الأسد، رفض أن ينتشر أي مراقب دولي على المعابر البرية والجوية في المطار، والبحرية في مرفأ بيروت والمرافئ الأخرى.

 

ويبدو أن ثمّة تنسيقاً بين «الحزب» ونظام دمشق حول رفض الأبراج الجديدة لأنّها تؤسس مع الإبراج الموجودة حالياً لمرحلة جديدة من تأمين السيادة اللبنانية على طول الحدود من الناقورة إلى القليعات في الشمال. وهي تعني بطريقة غير مباشرة خطوة أولى على طريق إنهاء سيطرة «حزب الله» على السيادة اللبنانية كما حصل مع إنهاء سيطرة النظام السوري على هذه السيادة وسحب جيشه من لبنان.

 

لقد رفضت كل الأنظمة السورية منذ العام 1943 ترسيم الحدود مع لبنان، وآخر الرفض كان في مواجهة النصين الواضحين للقرارين 1680 و1701. آخر محاولة كانت قبل ايام من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون عندما رفض الأسد تحديد موعد للوفد الذي سمّاه عون لزيارة سوريا والتباحث في موضوع ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

 

أفواج بريّة أربعة وحدود واحدة

 

من خلال متابعة آلية إنشاء أفواج الحدود البرية الأربعة وأبراج المراقبة التي أقامتها، لا يمكن إلا أن يكون الردّ اللبناني على الطلب السوري تمسّكاً بهذه الأبراج وبالأهداف التي أقيمت من أجلها. وهي أتت على مراحل بدأت بإنشاء القوة المشتركة من الجيش وقوى الأمن والأمن العام والجمارك لمراقبة المعابر البرية أولاً، والإستعانة بتقنيات قدمتها دول غربية كتعويض عن رفض قبول مراقبين دوليين من القوات الدولية.

 

الأربعاء 24 حزيران 2009، في منطقة العبّودية عقد العقيد الركن حميد اسكندر، رئيس لجنة مراقبة وضبط الحدود، مؤتمراً صحافياً لإطلاع الرأي العام على آخر مستجدات مشروع ضبط الحدود. وعرّف بالقوة المشتركة التي ترتبط عملانياً بقيادة الجيش. واعتبر أن «ضبط الحدود وإدارتها هما حاجة سياسية بالدرجة الأولى، فهي أساسية لتأمين متطلبات سيادة الدولة وتطبيق القانون. وهي أيضاً حاجة أمنية ملحّة لحماية لبنان من مخاطر التسلّل والإرهاب، ودخول الأسلحة اليه». حيث أنه «بعد صدور قرار مجلس الأمن 1701 العام 2006، طالبت الفقرة 14 منه، الدولة اللبنانية، بضبط حدودها ومنع إدخال الأسلحة من دون موافقتها، على الفور اتخذت الحكومة اللبنانية إجراءات سريعة، وقام الجيش بنشر أعداد كبيرة من الألوية والأفواج على الحدود البرية والبحرية كافة، لتأمين ضبط الحدود. بالتزامن مع ذلك، تبرّع عدد من الدول المانحة، لمساعدة لبنان على تحسين عملية ضبط حدوده، نظراً الى الخبرات والتقنيات التي يتمتّع بها بعض الدول الغربية. نذكر من هذه الدول: ألمانيا، الدانمارك، الولايات المتحدة الأميركية، كندا، بريطانيا، والإتحاد الأوروبي… أثمر هذا الجهد، إنشاء قوة مشتركة لمراقبة الحدود الشمالية وضبطها… يمثّل هذا المشروع القاعدة الأساسية في ضبط الحدود، ألا وهي التعاون الوثيق بين الدول المتجاورة… وفي هذا الإطار، يوجد تنسيق حثيث بين الجانبين اللبناني والسوري لتسهيل هذه المهمة».

 

هذه القوة المشتركة تحولت لاحقاً إلى أفواج الحدود البرية الأربعة: الأول أُنشئ في 1/5/2009، وتمركزت قيادته في ثكنة بهجت غانم – منطقة الشمال، وبتاريخ 14/2/2012، إنتقلت إلى مبنى النقيب الشهيد سيمون شاهين – شدرا. الثاني أُنشئ في 1/9/2009، وتمركزت قيادته في بلدة رأس بعلبك – البقاع. الثالث أُنشئ في1/9/2014، وتمركزت قيادته في ثكنة الياس أبو سليمان – أبلح. والرابع أُنشئ في 1/3/2016، وتمركزت قيادته في ثكنة محمد مكي – بعلبك.

 

مهمّة محددة وواضحة

 

مهمة هذه الأفواج محددة رسمياً بما يلي: مراقبة الحدود البرية للحؤول دون أعمال التهريب، التحري عن التهريب وضبط المخالفات، مكافحة الهجرة غير الشرعية وتوقيف المخالفين، منع تهريب الأسلحة والذخائر والممنوعات على أشكالها، وضبط وتوقيف الفاعلين وإحالتهم إلى السلطات المختصة، إقامة نقاط مراقبة ونقاط تفتيش ثابتة وظرفية وتسيير دوريات على الحدود البرية، لضبط المخالفات المتعلقة بتسلل الأشخاص عبر الحدود، وتعقب المخالفين وتوقيفهم وسوقهم مع المضبوطات إلى السلطات المختصة.

 

وشعارها، كما حددته قيادة الجيش، عبارة عن قطعة قماش بيضاوية الشكل يتوسطها عنصر مراقبة ثابت في الأرض يحمل منظاراً ويراقب حدود الوطن ويدافع عنه. وأرزة خضراء ترمز الى شعار الوطن وطبيعته الخضراء وخلوده، واللون البني يرمز إلى تراب الوطن المقدس، وشريط شائك من اللون الأحمر يرمز الى حدود الوطن المحمي، واللون الأزرق يرمز إلى سماء الوطن الصافية وبداخله تسمية الفوج في أعلى الشعار. كل ذلك كان تنفيذاً لقرار اتخذ في مجلس الوزراء في 20/12/2008، يتعلّق بمراقبة الحدود الشرقية وضبطها.

 

سيكتب التاريخ…

 

في 12 أيار 2023، زار قائد الجيش العماد جوزاف عون محافظة عكار وجال على مراكز فوج الحدود البرية. والتقى العسكريين واطّلع على مهماتهم الهادفة إلى مراقبة الحدود وضبطها ومنع التهريب، وقال لهم: «دوركم أساسي في هذه المنطقة، فالدولة التي لا تضبط حدودها تصبح عرضة لكل أنواع التعدّيات. حدودنا أرضنا وعرضنا، وهي باتت مضبوطة بفضل تضحياتكم واستمراركم في تنفيذ المهمات المطلوبة… أنتم متسلحون بإرادتكم القوية التي لا تلين وحبكم للوطن وقضيتكم المحقّة، وحين تبذلون أكثر من طاقاتكم تُظهِرون أنكم أبطال وأنّ مهمتكم مقدّسة وضرورية وتساهم في حماية لبنان واللبنانيين. قبل إنشاء هذا الفوج، كانت الحدود متفلّتة يجتازها الإرهابيون ومهرّبو الأسلحة والمخدرات بسهولة، ولو استمرّ الأمر على هذه الحالة لما بقي لبنان». وأضاف: «سيكتب التاريخ أنكم حافظتم على وطنكم. نحن نكبر بكم ولبنان يكبر بكم، واللبنانيون يثقون بكم، وتضحياتكم تتجسّد في الأمن الذي لا يزال ممسوكاً، على أمل أن تكون الأيام القادمة أفضل».

 

تكفي العودة إلى تلك الوقائع من أجل أن يكون ردّ الجيش على الطلب السوري منطلقاً من مبدأ حماية السيادة اللبنانية والتزام القرارات الدولية التي يجب أن يبدأ تطبيقها من الجنوب إلى الشمال لكي تبقى الأبراج اللبنانية صامدة في وجه برج الأسد.