من المنتظر أن تبدأ اللجان المشتركة في مجلس النواب، اليوم، بدرس اقتراح قانون المياه بعد تعديل صيغته الأولى التي أقرها المجلس النيابي السابق عام 2018. الصيغة الجديدة التي وضعتها اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان، قد تجدّد الجدل على غرار سابقتها حول جوانب عدة تتعلّق بمستقبل المياه، أبرزها بوادر خصخصة القطاع بشكل مباشر أو غير مباشر ورئاسة وإدارة الهيئة الوطنية للمياه.
في الأسباب الموجبة لاقتراح قانون تعديل قانون المياه رقم 77 الذي وضع نظاماً جديداً لإدارة قطاع المياه، ورد بأن نصّ القانون الأصلي «شابه العديد من الثغرات التي أعاقت تطبيقه، ما أوجب المبادرة إلى تحضير اقتراح قانون لتعديل بعض مواده وجعلها قابلة للتطبيق». وكان رئيس اللجنة محمد الحجار قال في ختام مناقشة التعديلات في 11 أيار الماضي إن إقرار القانون قبل عامين كان «من أولى مستلزمات المجتمع الدولي لإعطاء أو المساهمة في أيّ مساعدة للدولة اللبنانية. لكن الكل يعلم أن هذا القانون عندما أقر كان هناك الكثير من الثغرات، من هنا كان لا بدّ من سدها والعمل على إصلاحها». فهل تغيرت الصيغة الأولى التي فُصّلت على قياس مؤتمر «سيدر»؟
من أبرز المفاهيم التي تم تكريسها في المقترح المعدل «مقاربة موضوع قطاع المياه وخصوصاً المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه، على أنها ثروة وطنية وملك عام لكل مواطن لتأمين احتياجاته، بما فيها الصرف الصحي». عضو اللجنة النائب علي فياض سجّل ارتياحه للبننة القانون الذي كان في نسخته الأولى «مترجماً بنسبة 95 في المئة عن القانون الفرنسي». بنظر فياض، تقطع التعديلات – إذا أُقرّت – الطريق على تدويل المياه كما على خصخصتها. «المياه ليست سلعة ولا يجوز إخضاعها لمعايير السوق. لكن جزءاً كبيراً من النواب كان يجد في الخصخصة أمراً طبيعياً». في المقابل، نظّمت التعديلات ذلك الحق. فأعادت صياغة المواد الواردة في القانون 77 بشأن المحافظة على الحقوق المكتسبة على المياه «بشكل لا يتعارض مع مقتضيات الإدارة المستدامة للمياه»، مع إمكان «تعليقها بمرسوم حكومي، لمواجهة العجز المائي». وسمحت التعديلات لمجاوري الأنهار بالاستفادة من المياه، «فيما اقترح البعض خلال النقاشات منْع أيٍّ كان من الاستفادة، حتى الفلاح الذي يملك أرضاً بجانب النهر، فضلاً عن إلغاء الامتيازات وتنظيم حقوق العائلات والتجار والقرى»، قال فياض.
الجزم في عدم تسليع المياه قابلتْه صيغة اعتبرها البعض فضفاضة في إشراك القطاع الخاص بشؤون المياه ومؤسساتها، ما قد يمهّد لخصخصة القطاع برمته. إذ مكّنت التعديلات «وزارة الطاقة والمياه (الوصية على القطاع) ومؤسسات المياه، من توقيع عقود شراكة بين القطاعَين العام والخاص لتنفيذ مشروع مشترك وفقاً لقانون تنظيم الشراكة بين القطاعين وتلزيم عقود تعود لمشاريع تختلف فيها مساهمة القطاع الخاص عن الشكل المنصوص عليه في قانون المشروع المشترك، على أن تراعي كل العقود عند تنفيذها أحكام المخطّط التوجيهي العام للمياه ومخططات الأحواض».
مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية يبقي الباب موارباً أمام ما يعتبره فوضى التعاقد مع القطاع الخاص والعام. «السماح للوزارة ومؤسسات المياه بعقد اتفاقيات قد تتيح لها تجيير ادارة واستثمار قطاع المياه الى جهات أخرى في القطاع العام، يتعارض مع احكام قانون تنظيم قطاع المياه ويغيّب التخطيط ويخل بالميزان المائي ويتسبب بالهدر المالي ويسمح بتكريس فيدرالية مائية موسعة عبر توسيع الجهات المعنية بالقطاع ويهدد الرقابة على نوعية المياه ويسمح بأوضاع شاذة على مستوى الجباية والتعاقد والتوظيف والصيانة والتوزيع ويعزز دور مجلس الإنماء والاعمار في تشغيل محطات تكرير الصرف الصحي على سبيل المنفعة والتجربة». وعن مساهمة القطاع الخاص، يرى علوية أنه «يجب أن تخضع لقانون الشراكة لكي لا يتكرس ما نشهده في تشغيل محطات التكرير من قبل الإنماء والإعمار وتجنب ابتداع علاقات مشوهة مع القطاع الخاص».
في المقابل، يتبنّى فياض فتح الشراكة بين مؤسسات المياه والقطاع الخاص. «لا يمكننا أن نقفل كلّياً بوجه الخاص. مصالح المياه لديها صلاحية تلزيم تشغيل المؤسسة وليس تلزيم ملكيتها، وبنيتها الإدارية تعاني من مشاكل لا تمكّنها من الاستغناء عن القطاع الخاص مثل شركات مقدّمي الخدمات». كيف يمكن ضبط «تلزيم عقود تعود لمشاريع تختلف فيها مساهمة القطاع الخاص عن الشكل المنصوص عليه في قانون المشروع المشترك»، فضلاً عن الشبهات التي تطال مشاريع مجلس الإنماء والإعمار؟ «قانون الشراكة لا يسمح بإقرار مشاريع إلّا بشروط معقدة. كل مشروع يدرَس على حدة ويناقَش في المجلس الأعلى للخصخصة. أمّا الإنماء والإعمار فلا يستطيع وحده أن يوقّع مشاريع خصخصة بمفرده». لكن مدير إحدى مؤسسات المياه أبدى خشيته من «إعطاء رخصة للوزارة بتحويل المياه إلى سلعة على غرار الخدمات الأساسية الأخرى ورفع قيمة التعرفات والرسوم التي يشوبها أساساً سوء التنظيم وغياب المعايير. في الوقت الذي يسير التوجّه العالمي إلى اعتبار المياه حقاً سيادياً، فإنّ التجربة اللبنانية تُسقط عنه هذه الصفة».
وكرّست التعديلات «منح موظفي الوزارة ومؤسسات المياه صلاحيات الضابطة العدلية في ما يتعلق بضبط المخالفات الناشئة عن تطبيق هذا القانون لجهة التلوّث وحماية الموارد وحق الوصول إلى المنشآت للكشف». ما لم يكرّسه القانون بنسختَيه الأولى والمعدّلة برأي مدير عام مؤسسة مياه البقاع رزق رزق تفاصيل تطبيقية كثيرة منها «الفصل بين جباية خدمة تكرير الصرف الصحي وخدمة المياه». ويشدّد على ضرورة استتباع القانون بمراسيم تطبيقية تسرّع في تنظيم قطاع المياه.
التعديل الذي قد يخضع لتعديل ثالث يتعلّق برئيس الهيئة الوطنية للمياه ومهمّتها دراسة المخطط التوجيهي العام للمياه. القانون 77 ينص على أن الهيئة الوطنية للمياه «يرأسها رئيس الحكومة ويكون وزير الطاقة والمياه نائباً له وتتألف من عضوية وزراء ومدراء مؤسسات المياه وممثلين عن البلديات والجمعيات الأهلية». لكن لجنة مناقشة التعديلات شهدت تجاذباً حادّاً بين رئيسها المحسوب على تيار المستقبل وممثلي وزارة الطاقة وأعضاء اللجنة المحسوبين على التيار الوطني الحر. ففيما أصرّ الحجار على عدم المسّ بترؤس رئيس الحكومة للهيئة، طالب العونيون بأن يترأسها وزير الطاقة والمياه. فياض أشار إلى أنه كان من الفريق الذي رغب بـ«منح الهيئة ثقلاً من خلال ترؤسها من قِبل رئيس الحكومة وعضوية الوزراء ومدراء مؤسسات المياه الذين كانوا مغيبين». وقد حاز هذا التوجه موافقة معظم أعضاء اللجنة.