المياه، هذا المعطى الطبيعي، توافر للبشر من أجل تطوير واستمرارية حياة البشر وسائر المخلوقات، سواء بالمحافظة على الصحة، أو النظافة، أو الغذاء، كما باتت المياه اساسية لانجاح عمليات صناعية متعددة وليست ثمة منطقة مخصصة للصناعة في بلد متقدم لا تحظى بامدادت سخية ومستدامة من المياه.
لبنان، على ما بينت الدراسات مدى سنوات، يحظى بتساقط 8٫6-10 مليارات متر مكعب من الامطار سنويا. وبما ان لبنان يفتقر الى تجهيزات لاختزان كميات ملحوظة إلا في سد القرعون، وسد شبروح، واشباه سدود بسيطة على انهر فرعية، يذهب نصف المتساقط الى البحر من دون الاستفادة من وسائل تخزين تحت الارض عن سبيل اغناء خزانات جوفية.
كفاية الحاجات من المياه حظيت من الدراسات باهتمام كبير منذ الاربعينات، والستينات، لكن الانجازات كانت دون المتوقع وما تحقق في عقد الستينات وبداية السبعينات اهدر القسم الاكبر من منافعه في السنوات اللاحقة، وقد رأيت من المناسب الاستعانة بمعلومات لاناس مسؤولين، شاؤوا مراسلتي، أم هم تبرعوا بكتبهم في موضوع المياه، الذي هو لحياة لبنان حاضراً ومستقبلاً اهم من موضوع النفط والغاز والذي يبدو انه يعاني التأخير.
تلقيت من المهندس المدني عفيف سوبره تعقيباً على مقالي الصادر في تاريخ 7/11/2014 بعنوان “المياه، الوعد المتبخر”، والاستاذ سوبره يوضح ان المطبعة الكاثوليكية انجزت في تاريخ 30/11/1948 نشر كتاب ابرهيم عبد العال وعنوانه بالفرنسية يمكن ترجمته “الليطاني، دراسة هيدرولجية”، والناشر كان الجمهورية اللبنانية – دائرة الثروة المائية.
من المعلوم ان دراسة ابرهيم عبد العال، أو دراساته، شملت موضوع المياه في مختلف انحاء لبنان وعلى صعيد الحاجات المختلفة، سواء للزراعة، أو الاستعمال المنزلي، أو الصناعي، وما انجز من مشروع الليطاني هو جزء غير مكتمل من دراسته وتوصياته.
تضاف الى دراسات ابرهيم عبد العال دراسات أنجزتها بين أواسط الستينات واوائل السبعينات مديرية التجهيز المائي والكهربائي التي كان يرأسها خلال تلك الفترة المهندس محمد فواز الذي تولى في ما بعد منصب المدير العام للتنظيم المدني والرئيس الأعلى لمجلسه ومن ثم رأس مجلس تنفيذ المشاريع الانشائية من 1993 الى 1999، ولا شك في ان مسؤولياته منذ عام 1965 تركزت على قضايا المياه، والكهرباء، والطرق وتجهيزات البنية التحتية الخ.
يقول محمد فواز في كتابه “نحو سياسة مائية في لبنان” الصادر عام 2007 عن معهد الهندسة العالي في بيروت ESIB، ما يأتي: على ضوء تنوع الحاجات الى المياه وتوزع السكان بين القرى والمدن، وتزايد اعداد السكان “وضع في الستينات من القرن الماضي المخطط العام لتموين جميع المدن والقرى اللبنانية بمياه الشرب وشمل المخطط المشاريع المنفذة، أو التي هي قيد التنفيذ أو الملحوظة للمستقبل، كما تم تصميم هذه المشاريع لمدة خمس وعشرين سنة للمستقبل آخذين في الاعتبار زيادة عدد السكان”. (ص.69)
ويشمل المخطط العام لمياه الشرب هذا:
أ – ايصال المياه الى القرى التي لم تصلها المياه بعد.
ب – مواجهة زيادة حاجة المناطق الممونة سابقاً بالمياه من جراء زيادة عدد السكان أولاً وزيادة حاجات الفرد ثانياً.
تبين في المخطط ان بعض مصادر المياه سمحت بوضع مشروع عام لمنطقة كاملة كمشروع الباروك الذي يشمل 242 بلدة، بينما اقتصر بعضها الآخر على تموين بلدة واحدة فقط مع الضخ كما هو الحال في بلدة عرسال في البقاع.
الأمر الأهم أنه عام 1974، قبل نشوب الحرب في لبنان، كانت مياه الشرب قد تأمنت في المنازل لما يقارب 94 في المئة من اللبنانيين، كما كانت أشغال ايصال مياه الشرب الى ما يقارب ثلاثة في المئة اضافية من اللبنانيين قيد التنفيذ وهذا الواقع كان يضاهي ما هو متحقق في البلدان الاوروبية المتقدمة.
اليوم الوضع بالنسبة الى المياه، سواء لحاجات الشرب، أو الزراعة، أو الصناعة، يمكن وصفه بالمتردي، وهو يساهم في انتشار الامراض، وعوض أن تكون المياه مصدراً للنظافة والتنظيف صارت في حالات عدة مصدراً للتلوث البيئي والصحي.
ان المصالح التي تأسست للاشراف على تأمين المياه لمختلف الحاجات تخلفت عن تأمين أبسط حاجات الصيانة والتطوير وغالباً ما يستمر أعضاء ادارة هذه المصالح في مناصبهم سنوات من دون تعديل، او تغيير في برامجهم. كما ان قنوات ووسائل توزيع المياه متقادمة، والهدر في تسليم المياه الى المشتركين كبير، والعجز كان واضحاً خلال أشهر الصيف في بيروت التي باتت تضم نسبة 45 في المئة من اللبنانيين على الاقل.
مشاريع تزويد بيروت المياه تدرس منذ سنوات. وأخيراً قيل ان المخصصات لإنشاء سد بسري صارت جاهزة وان هنالك قرضاً من البنك الدولي لانجاز الاعمال المطلوبة، لكن مباشرة المشروع لا تزال متأخرة.
المياه المتوافرة طبيعياً للبنان تهدر بنسبة 50 في المئة تذهب الى البحر، والمياه المفترض توزيعها بقنوات مأمونة يذهب منها 30 في المئة هدراً بسبب عدم صيانة منشآت التوزيع، و15 في المئة من المياه المتساقطة نخسرها نتيجة التبخر، واللبنانيون يبتاعون المياه، كما يبتاعون الكهرباء بتكاليف تفوق رسوم اشتراكهم في المياه والكهرباء، وما يحصلون عليه من المياه هو ملوث بنسبة ملحوظة… فهل هنالك برهان على اهمال الوزراء والنواب لحاجات اللبنانيين اكثر من ذلك؟ ومع ذلك هم يمددون لأنفسهم خوفاً من الفراغ، لكنكم، أيها السادة، ادخلتم اللبنانيين في فراغ أدهى بالنسبة إلى حاجاتهم الاساسية!