IMLebanon

صراع الصلاحيّات يجمّد قانون المياه: محاصصة الموارد بدلاً من حمايتها!

 

 

بعد مرور عامين على إقرار قانون المياه، لم يُنفّذ «بسبب ثغرات تعتري تطبيقه». وحتى بعد تعديله في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، جمّده المجلس الدستوري إلى حين بتّ الطعن المقدّم من التيار الوطني. الهيئة الوطنية للمياه يترأّسها وزير الطاقة أم رئيس مجلس الوزراء؟ هو فصل جديد من معركة الصلاحيات. لكنها أيضاً معركة محاصصة مشاريع «سيدر» الخاصة بالقطاع. كل طرف يريد أن يتحكّم بتوزيعها بما يناسبه انتخابياً وسياسياً، لكنّ أحداً لا يهتم لحماية ما تبقّى من موارد مائية

 

أهم القطاعات التي كانت على لائحة قروض مؤتمر «سيدر» هو قطاع المياه. لكن ذلك كان مشروطاً بإقرار قانون عصري للمياه. لكن لأنه مع اقتراب موعد المؤتمر، لم تكن اللجان النيابية قد أنهت مناقشة مشروع قانون المياه، حُمّلت مسوّدة القانون، بما تيسّر من تعديلات، إلى الهيئة العامة ليُصار إلى إقراره قبل المؤتمر. وبالفعل، هذا ما حصل في الجلسة النيابية التي عقدت قبل ستة أسابيع منه (29 آذار 2018).

 

بعد المؤتمر، لم يعمد أحد إلى تنفيذ القانون، بحجّة تضمّنه ثغرات كبيرة تعيق التطبيق. وهو ما بدا كافياً «للمبادرة إلى تحضير اقتراح قانون لتعديل بعض مواده وجعلها قابلة للتطبيق»، على ما تضمنت الأسباب الموجبة لاقتراح التعديل.

شكّلت اللجان المشتركة، لهذه الغاية، لجنة فرعية ترأّسها النائب محمد الحجار وأنهت عملها في أيار الماضي، قبل أن تقرّ اللجان التعديلات وتحوّل القانون إلى الهيئة العامة. أثناء النقاشات في المجلس النيابي، كان الخلاف واضحاً بين من يريد أن تكون الهيئة الوطنية للمياه برئاسة رئيس الحكومة وبين أن تكون برئاسة وزير الطاقة. هنا لا يمكن التغاضي عن نقطة أساسية غلّفت الخلاف القائم. قطاع المياه، كان له الحصة الوازنة من تمويل «سيدر» (33.8 في المئة من القيمة الإجمالية للقروض). ولذلك فإن توزيع هذا المبلغ على المناطق لا يمكن أن يُقاس إلا بمنطق المحاصصة والانتخابات. وبالتالي، فإن للهيئة دوراً أساسياً في توزيع المشاريع وتوقيت تنفيذها.

بالنتيجة، أقر القانون في 30 أيلول الماضي. ونشر القانون في الجريدة الرسمية في 22 تشرين الأول. وقبل أن تنتهي مهلة الـ 15 يوماً التي يمكن خلالها الطعن بدستورية القوانين، تقدم التيار الوطني الحر بمراجعة لدى المجلس يشكك فيها بدستورية المادتين 14 و15. وبحسب قانون المجلس، فقد تم تعليق مفعول النص موضوع المراجعة الى حين بتّ الطعن.

تنص المادة 14 من القانون على إنشاء هيئة وطنية للمياه، فيما تنص المادة 15 منه على تحديد دور هذه الهيئة. في النص القديم (القانون الرقم 77/2018)، كانت الهيئة مؤلفة من رئيس مجلس الوزراء رئيساً، وزير الطاقة والمياه نائباً للرئيس، إضافة إلى عضوية وزراء: البيئة، الصناعة، الزراعة، الصحة والسياحة، إضافة إلى المدير العام للموارد المائية والكهربائية، المدير العام للاستثمار ورؤساء مجالس إدارة مؤسسات المياه ومديريها العامين. وتضم الهيئة متخصصين في هذا المجال وممثلين عن البلديات وعن الجمعيات الأهلية الناشطة في مجال المحافظة على الأنشطة البيئية المائية.

بعد التعديل (القانون الرقم 162/2020)، بقيت الهيئة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، لكن زيد إلى الأعضاء وزراء: الأشغال والمالية والداخلية، فيما أبقي من الجهات الأخرى على عضوية المديرين العامين لمؤسسات المياه فقط، على اعتبار أن توسيع الهيئة يقلّل من فعاليتها، علماً بأن متخصصين رأوا أن التعديل بمثابة خطوة إلى الوراء كونه يلغي دور المجتمع المدني والأهلي في المشاركة في تحديد مستقبل قطاع يطال كل اللبنانيين.

بحسب المادة 15، قبل تعديلها، فإن للهيئة «دوراً استشارياً والمساهمة في وضع تعريف شامل للأهداف والمبادئ التوجيهية العامة لسياسة وطنية عامة ومستدامة لإدارة هذا القطاع». كما يُعرض عليها عدد من الأمور، أبرزها: المخطط التوجيهي العام للمياه ومخططات الأحواض، الخطط والبرامج الهادفة الى تنظيم استعمالات المياه ومنع إهدارها وترشيد استهلاكها، مشاريع وتنظيم توزيع المياه ذات الأهمية الوطنية الإقليمية، تحديد أفضليات المشاريع وتوزيعها على المناطق…

في النص المعدّل، سحبت عبارة «دور استشاري» من المادة 15، وصار النص يبدأ بـ«تتولى الهيئة المهام الآتية: المساهمة في تحديد الأهداف والمبادئ العامة، دراسة المخطط التوجيهي، دراسة الخطط والبرامج الهادفة إلى تنظيم استعمالات المياه، إقرار الخطط والبرامج الهادفة إلى تنظيم استعمالات المياه، إضافة إلى تحديد أفضليات المشاريع وتوزيعها…

بالنسبة إلى التيار الوطني، فإن الاعتراض الأساس، بحسب النائب سيزار أبي خليل، ينطلق من رئاسة رئيس الحكومة لهيئة تقريرية، وهو ما يتعارض مع الدستور في المواد 65 و66 و70 بحسب الطعن. أما حجة عدم إمكان ترؤس وزير للجنة تضم وزراء، فيرد أبو خليل عليها بعرض عدد من الهيئات التي يترأسها رئيس الحكومة، كما يذكّر بأن عشرات اللجان الفرعية سبق أن ترأسها الوزير المختص.

المادة ٦٥ تنص على أن إقرار الخطط الإنمائیة الشاملة والطویلة المدى، يحتاج إلى ثلثي مجلس الوزراء لتصديقه، وبالتالي يرى أبو خليل أن من غير الممكن أن تتولى هيئة وزارية صلاحية حتى مجلس الوزراء لا يمكنه ممارستها من دون أغلبية الثلثين.

المادة 66 تنص على تولي الوزراء إدارة مصالح الدولة، على أن یناط بهم تطبیق الأنظمة والقوانین كل بما یتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وما يختص به. وبالتالي، فإن الطعن يشير إلى أن الهيئة تسحب من وزير الطاقة صلاحية تقريرية وتنقلها إليها.

لكنّ للحجار رأياً آخر. يقول إن جلّ ما فعلناه هو تخفيض عدد أعضاء الهيئة لتسهيل عملها. أما مسألة ترؤسها من قبل رئيس مجلس الوزراء، فلم تكن محل اعتراض من أحد حين أقرّ القانون في المرة الأولى وحين جرت مناقشة الأمر مجدداً. هذا أمر ينفيه أبو خليل الذي يؤكد أن رئاسة اللجان، ونتيجة عدم الاتفاق على هذه النقطة، رحّلت الخلاف إلى الهيئة العامة.

يصر النائب الحجار على اعتبار أن الاعتراض العوني في غير محله، وبالرغم من إسقاط الصفة الاستشارية للهيئة، إلا أنه يؤكد أن لا دور تقريرياً لها، بل هو توجيهي فقط. وبالتالي، فإن أحداً لم يمسّ بصلاحية الوزير المختص، الذي يبقى له أن يضع المخطط التوجيهي ويعرضه على مجلس الوزراء. هنا يكون دور الهيئة تهيئة الأمور أمام مجلس الوزراء قبل عرضها عليه، وبالتعاون مع كل الجهات المعنية.

 

التيار الوطني الحر يطعن بقانون المياه: يشكل «اعتداءً على دور الوزير»

 

 

تجدر الإشارة إلى أنه عند طرح القانون في الهيئة العامة، اقترح نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي إقراره بمادة وحيدة، لأن «هذا الاقتراح درس ملياً في المجلس، وشكلت له لجنة فرعية وناقشته وزارات وإدارات عدة». من رفض الأمر هو الرئيس نبيه بري الذي أكد وجود رأيين في المجلس، رأي يدعو إلى أن تكون الهيئة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، ورأي يدعو إلى أن يترأسها وزير الطاقة، وتضم إليه رؤساء مصالح المياه.

لكن في النهاية، أقر القانون بإسناد الرئاسة إلى رئيس الحكومة، وهو ما كان أشار أبي خليل إلى أنه سيعرّض القانون للطعن، لأنه يعطي الهيئة سلطة إجرائية منوطة دستورياً بالوزير.

بحسب أحد النواب الموقّعين على الطعن، فإنّ ما جعل القانون يمرّ بالتصويت هي الجولة التي قامت بها النائبة بهية الحريري على عدد من الكتل، طالبة تأييد القانون. يشير المصدر إلى أن الحلفاء، ولا سيما حزب الله وحركة أمل، بالرغم من أنهما كانا يعتبران أن النص ينزع صلاحيات من الوزير، إلا أنهما لم يشاءا القيام بمعركة سياسية من أجله، فأقرّ، مع إدراك الجميع أننا سنقوم بالطعن به.

اللافت أن معركة الصلاحيات لم تحتدم إلا بعد إقرار «سيدر» مبالغ ضخمة للقطاع. لكن الأهم أن أحداً لم يتنبّه إلى أن الهيئة لم تجتمع ولو مرة واحدة منذ إقرار القانون في عام ٢٠١٨. وهو أمر ليس غريباً على العاملين في القطاع. المؤسسات المعنية شبه غائبة عن دورها، وبالتالي، فإن الهيئة لن تكون سوى مؤسسة إضافية عاطلة من العمل. وفي السياق نفسه، يرى رئيس مصلحة الليطاني سامي علوية أن القضية ليست قضية صلاحيات، بل قضية تطبيق جدي للقانون. وهو يشير إلى أنه مع وجود الهيئة أو بدونه، ومع ترؤسها من قبل رئيس الحكومة أو من قبل الوزير، فإن المطلوب حماية الموارد المائية قبل أي عمل آخر.