تناقضت المواقف حتى من ضمن قوى 14 آذار في شأن تلويح وزير الداخلية نهاد المشنوق في الذكرى الثالثة لاغتيال اللواء وسام الحسن بالاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار في ظل استمرار المراوحة والابتزاز على حالهما. كثر لم يتحمسوا لهذا الموقف نظراً الى انه من غير المفيد لهذا الفريق ان يأخذ شعلة التعطيل من يد رئيس تكتل الاصلاح والتغيير الذي يحتكر حتى الآن هذه اللعبة علناً ولو ان هؤلاء يعتبرون انه يشكل الذريعة الداخلية لتلاقي طموحه في الاستئثار قسراً بصلاحيات رئيس الجمهورية وهو في موقعه الحزبي خارج هذا الموقع، مع مصالح محور اقليمي من أجل تعطيل البلد وإبقائه على هذه الحال على رغم الضرر الكبير اللاحق بلبنان عموماً والمسيحيين في شكل خاص. فالتعطيل في لبنان باتت وجهته معروفة حتى بالنسبة الى القوى الخارجية ومنها إيران بالذات التي ترمي الكرة في ملعب المسيحيين حيث يوجد اتجاهان أحدهما يبدي مرونة معلنة والآخر يرفض أي مساومة على ما يعتبره حقه. والعماد عون كان أعلن في الذكرى الـ25 لإخراجه من قصر بعبدا في عملية عسكرية شنها النظام السوري بأنه هو من يعطل مفاخراً بذلك وحاصداً التصفيق من مناصريه من دون وعي لأبعاد هذا الموقف فعلياً على مصلحة هؤلاء ومصالح اللبنانيين ككل، في الوقت الذي يجهد حليفه “حزب الله” في محاولة لرمي كرة التعطيل في مرمى 14 آذار ويستمر في تكرار ذلك على عكس ما يفتخر به حليفه لعدم رغبته في أن يكون هو في موقع سلبي على طول الخط بحيث يزيد من الانعكاسات السلبية على البلد، إضافة الى تلك التي يتسبب بها انخراطه في الحرب السورية والتي يعرف جيداً تبعاتها ولو انه يبررها ايضاً باعتبارات الضرورة التي يشرحها في كل مناسبة. وقبل بعض الوقت رفضت السفارة الايرانية في بيروت ان تكون في موقع المعطل للاستحقاقات اللبنانية ما يفسر حرص الحزب على تكرار رمي الكرة في ملعب خصومه ولو انه هو من يعطل الحكومة بذريعة دعم مطالب حليفه. أصحاب هذا الرأي يفضلون استمرار تسليط الضوء على موقف العماد ميشال عون المعطل لمجلس الوزراء والمشكك في جدوى الحوار ونتائجه والتناقض بين مواقفه ومواقف حلفائها الأقربين في هذا المجال على ركوب موجة التلويح بأمر يدرك الجميع بمن فيهم تيار المستقبل نفسه بأنه لن يذهب في هذا السبيل. فحتى الآن تصرف التيار السني الأكبر ولا يزال على أنه أم الصبي بحيث أن كل التنازلات التي قدمها في البلد بعد 2005 في شكل خاص أدرجها تحت عنوان عدم وجود رغبة لديه في ترك البلد ينجرف الى حيث يريد الآخرون الدفع به. يضاف الى ذلك ان التيار يظهر تحسساً كبيراً بما يحوط لبنان من مخاطر ويحذر من مخاطر اللعب على حافة الهاوية. ولذلك فان التلويح بأمر لن يقدم عليه ويعرف الآخرون جيداً انه لن يقدم عليه في هذه المرحلة بالذات حرصاً على عدم دفع البلد نحو المجهول لا يعتبر نقطة قوية تسجل لصالحه في هذا السياق.
أضف الى ذلك ان التلويح بالاستقالة من الحكومة والابتعاد عن الحوار، حتى بالإعلام أو المناورات السياسية، في مقابل إظهار “حزب الله” موقفاً معاكساً إنما يضع هذا الأخير أقله علناً وأمام الخارج في موقع الطرف الايجابي الحريص على استقرار الوضع في البلد شأنه شأن الدول الكبرى الداعمة للبنان وأمنه واستقراره في هذا السياق، في مقابل تبرير تدخله في سوريا بأنه ضد التكفيريين حيث يصطف أيضاً الى جانب قوى دولية تحارب هؤلاء. وينبغي الإقرار بأن الحزب ينجح في ذلك أي إشاعة انطباع مقنع عن رغبته في المحافظة على استقرار البلد في هذه المرحلة أياً تكن الاعتبارات المصلحية وراء ذلك.
في المقابل يعتبر البعض الآخر أنه إذا كان رد الأمين العام لـ”حزب الله” على الموقف الذي اعلنه المشنوق هو تأكيد التمسك ببقاء الحكومة والحوار، فإن ذلك يعد أمراً جيداً وان تلويح وزير الداخلية بتصعيد سلبي اعطى مفعولاً إيجابياً في رأي هؤلاء. وذلك تحت طائل مطالبة الحزب في المرحلة المقبلة بترجمة موقفه الداعم لبقاء الحكومة بالمشاركة في أعمالها على قاعدة ان بقاء الحكومة الذي هو “لمصلحة اللبنانيين” بحسب توصيف السيد نصرالله يقتضي تفعيل عملها لأن بقاءها على ما هي عليه من حال التعطيل لا يخدم مصلحة اللبنانيين، بل يضر بها في ظل مصالح معطلة لهؤلاء على كل المستويات. وهو الذي سبق ان دعا الى تفعيل مجلس النواب كذلك من أجل مصلحة اللبنانيين مما يعني ان بقاء المؤسسات الدستورية شكلا من دون فاعلية لا يخدم هذه المصلحة. أما إبقاء الحكومة شكلاً وممارسة الضغوط والبعض يقول الابتزاز من أجل تحصيل تعديل آلية عمل مجلس الوزراء وإدخال أعراف جديدة على عمله او محاولة الحصول على تعديل في آليات المرحلة الراهنة اي الذهاب الى قانون انتخابات على اساس نسبي قبل انتخاب رئيس للجمهورية وفق الشعارات التي بات يرفعها عون، فهذا أمر ينبغي ان يواجه كما هو خصوصا ان السقف الأخير الذي وضعه رئيس تكتل الاصلاح والتغيير لعودته عن مقاطعة وزرائه مجلس الوزراء أي تعيينات أمنية جديدة يكون هو مرجعيتها أدى الى رفع مستوى علنية معارضة طموحاته من داخل الزعامات المسيحية قبل سواها.