تعالوا لنذهب مع «حزب الله» إلى سورية كي نقاتل التكفيريين والإرهاب. الآن لن يأخذنا إلى أوكرانيا على الأقل، فالمهمة شاقة وطويلة، لإنقاذ النظام السوري، وتحقيق غلبته على شعبه بعد كل المآسي التي لم تبقِ من «قلب العروبة» إلا الخراب، وشلالات الدم.
المهمة عسيرة ايضاً في العراق، هناك قاعدة «داعش» في الموصل، والإبادات التي يرتكبها… هل يمكن ألاّ نتفهّم تنديد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بكل الفظاعات التي تُرتكب باسم «خلافة» تضليلٍ وترهيبٍ وترويعٍ وتزوير…؟ أيمكن ألاّ نتفهّم خوف السيد حسن على لبنان واللبنانيين الذين بالكاد يصمدون بالرمق الأخير على حافة الجوع، وحروبهم في الداخل لم تُكسِبهم الخبرة الكافية للتصدي للإرهاب العابر للقارات؟
ألا تستحق وقفة الأمين العام عند ذبح «داعش» أقباطاً مصريين، التفاتة تقدير، لأن الجميع في مركب واحد، بصرف النظر عن الدين والمذهب والجنسية؟ ولكن بين البسطاء اللبنانيين الذين يتساءلون عن هويةٍ ما بقيت لبلادهم، في ظل الحدود السائبة والاختراقات على كل الخطوط، ورعب الآتي المجهول، يسألون ايضاً عمن سيبقى في لبنان اذا استجابت 14 آذار دعوة السيد حسن للذهاب الى سورية وربما العراق في مرحلة أخرى من حروب المنطقة… مَنْ يبقى إذا ذهبت 14 و8، وهل يطمئن الفريقان إلى عدم استغلال أبي بكر البغدادي الفرصة لطعن «حزب الله» من الخلف؟
ألم تصدق رؤية سمير جعجع منذ سنوات إلى مشروع الحزب، ونصيحته بعدم التلهي بتفاصيل الساحة اللبنانية التي بات رأسها أكبر من الرئيس؟
ألا تستحق التفاتة تقدير، شجاعة رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط في الاعتراف علناً بأن تأييده «أي سوري يقاتل النظام الإرهابي لبشار الأسد» لن يغيّر شيئاً من الوقائع؟ المحيّر لكثيرين من اللبنانيين ان 14 آذار نفسها قد تكون مقتنعة بأنها عاجزة عن إقناعهم بجدوى كيل النصائح إلى «حزب الله»، كأن الوقت لم يفت منذ فترة طويلة… وإذا كان الإنصاف يقتضي كذلك التساؤل عن أي أوراق بديلة تملكها 14 آذار غير حوار لمجرد الحوار، ولإظهار إجماع ولو شكلي على محاربة الإرهاب بكل أنواعه، فذاك لا يشيح الأبصار عن قتال بعض اللبنانيين في خندق مَنْ يرتكب إبادات يومية في سورية.
وهل من خيار إذاً، بين فظائع «داعش» والتكفيريين وجز الرؤوس وحرق الأسرى أحياء، وبين حرق الأطفال بالبراميل المتفجرة، وقنص العجّز في الأرياف السورية المحاصرة؟
فلنذهب مع «حزب الله» إلى سورية والعراق، ومَنْ يدري فلنقاتل مع الحوثيين دفاعاً عن «ثورتهم» التي باركها حكم المرشد خامنئي، وأنعش صدره تصدي «القاعدة» لهم. لكن ألا يجوز سؤال السيد حسن، هل منع ذهابه إلى سورية سقوط الدولة اللبنانية؟ وهل سهّل استراتيجية دفاعية قد تقي البلد إذا باغتته إسرائيل في لحظة غفلة؟… هل صدّ أفواج المهاجرين بحثاً عن خلاصٍ من الآتي المرعب…؟ وهل احتوى شرارات العنصرية الكريهة إزاء السوريين الهاربين من جحيم حليفه؟ هل يمكن الأمين العام لـ «حزب الله» أن يعِدنا يوماً بنهاية قريبة لفصول ترحيل لبنان بعيداً عن لبنان، سنوات طويلة لأن إسرائيل تتربص وأخرى بلا نهاية لأن الاحتقان المذهبي وحش، وحقبة ثالثة أشد حلكة لأن وحش «داعش» لن يكتفي بسورية والعراق؟
فلنذهب مع الأمين العام إلى سامراء والنجف وكربلاء، والقلمون وإدلب وحلب… لبنان بلد صغير، لكننا تحت الإقامة الجبرية المذهبية، حراسها فريقان وراء الحدود.
سؤال آخر، إذا كان الخيار بين «حزب الله» وكتائب عبدالله عزام التي تتوعد أجهزة لبنانية، أيهما الخيار؟ كيف نجح الحزب إذاً في إغلاق نوافذ التهديد وأبواب الخوف؟ لن تكون المفاضلة حتماً بين «حزب الله» و «داعش» وأمثال هذا التنظيم الذي برر للمشروع الإيراني مزيداً من التضليل، تحت مزاعم الاعتدال. ولكن، يعرف الحزب أن هناك ألف «ولكن»… أولاها أنه لا يملك إجماعاً لبنانياً على ترحيل البلد إلى حروب إيرانية بالوكالة. ولعله يدرك كذلك، أن شريحة كبيرة من اللبنانيين تجاوزت عتبة اليأس إزاء احتمالات إصغائه إلى مخاوفهم.
لهم، كل يوم، مزيد من الشهادات لمسؤولين في طهران يتباهون باستتباع دول، ودكّ وحدتها وسياداتها، باسم محور جديد يدّعي اعتدالاً وريادة في التصدي لوحش «داعش»… وأن السنّة في المنطقة، كحال الأميركيين، لا يفعلون ما يكفي.
بين «داعش» و «النصرة» وعبدالله عزّام و «حزب الله»، بين نظام الأسد و «امبراطورية» خامنئي وصعودها المذهل كظلام البغدادي، بين القنبلة النووية وقطع الرؤوس… أي خيار؟