من الصعب، مهما كثرت التطمينات، عزل لبنان عن التأثر باللعبة المفتوحة بين أميركا وايران. لا في الاطار العام للمواجهة بين استراتيجية كبح النفوذ الايراني واستراتيجية انهاء المشروع الأميركي في المنطقة. ولا في الجانب المتفرّع منه، وهو العقوبات الأميركية على حزب الله. فكيف اذا كنّا عاجزين عن تطبيق النأي بالنفس الذي يبدو الخلاف عليه من كوابح تأليف الحكومة؟ وكيف اذا كانت الحكومة، ولو تمّ تأليفها، مرشحة لأن تشهد شدّ حبال بين من يرفض أخذ لبنان الى المحور الايراني وبين من يعلن ان لبنان جزء من ذلك المحور؟
وأكثر ما طغى على المشهد في نيويورك هو المبارزة بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس حسن روحاني، على منبر الجمعية العمومية وخارجه. ترامب يراهن على سلاح الدولار والعقوبات. وروحاني يراهن على سلاح الصبر والموقف الأوروبي. وأبسط ما تدلّ عليه تجارب الماضي هو قلّة مخزون الصبر في أميركا وكثرة مخزونه في ايران. وأوضح ما يعبّر عن الفارق بين الطرفين هو قول وزير الخارجية سابقا منوشهر متقي: الأميركيون يلعبون البايسبول ويضربون بعضهم بعضا وأحيانا الحكَم، ونحن نفضّل الشطرنج واتخاذ القرارات بالتأمل الهادئ.
والسؤال هو: الى أي حدّ يمكن قيام تحالف أميركي – اقليمي لمواجهة ايران، تحدث عنه ترامب في الأمم المتحدة. الى أية درجة تستطيع طهران الرهان على أوروبا؟ وأين الواقع من المبالغات في قول ترامب ان ايران معزولة واختصار روحاني للمشهد في نيويورك بالقول ان أميركا معزولة.
أوروبا لجأت الى صيغة مقايضة لاستمرار شراء النفط والتعامل التجاري مع ايران من دون تعرّض للعقوبات الأميركية. لكن أوروبا تطالب طهران بما تطلبه أميركا. والفارق ان أميركا انسحبت من الاتفاق النووي وأعادت فرض العقوبات على ايران لدفعها الى التفاوض على اتفاق جديد يتضمن ما لم يلحظه اتفاق فيينا. أما أوروبا، فانها تعتبر ان الحفاظ على الاتفاق هو الذي يفتح الطريق لما سماه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان مفاوضات موسّعة حول مصير البرنامج بعد ٢٠٢٥، وبرنامج الصواريخ الباليستية، وسياسة ايران الاقليمية. وهي مطالب أميركا.
وليس من السهل الحفاظ على ضوابط في لعبة مفتوحة، وان كان الكل يستبعد الحرب المباشرة ويتوقع تهديد الجنرال قاسم سليماني لأميركا ب حروب غير متماثلة. فالشركات الأوروبية الكبيرة تهرب من ايران خوفا من العقوبات الأميركية. وحرب الدولار قاسية على الريال. وحرب النفط تقود الى تطورات عسكرية. وليس أخطر من أن نواجه هذه اللعبة بلا حكومة سوى تأليف حكومة تكون جزءا من اللعبة.