يشعر اللبنانيون بأنهم متروكون لقدرهم، لا أحد يقرر في أمور أمنهم وحياتهم، لا أحد يدافع عنهم، كأنهم يعيشون في اللادولة، في ظل فراغ مستحكم في أعلى الهرم، أي رئاسة الجمهورية، وضياع في المؤسسات الاخرى التي فقدت دورها الحقيقي. فراغ يتعمق كل يوم، لا بشغور المؤسسات فحسب، بل أيضاً برحيل كبار ممن أثروا الثقافة الوطنية برجاحة عقل في زمن التعصب والاهواء المتفلتة، وآخرهم المفكر منح الصلح، الذي نودعه اليوم، صوتاً معتدلاً ومحارباً الطائفية والمذهبية والفكر التقسيمي.
الرئاسة الاولى شاغرة ولا أفق للحل في ظل تشبث أعمى بالكرسي يكاد يطيح الموقع، ولا قدرة لمجلس النواب على الانتخاب مع الانقسام الحاد الذي يعطل أيضاً دوره التشريعي، بعدما ألغت تركيبة الطائف دوره الرقابي. أما الحكومة، فحدث عنها ولا حرج. والكلام ليس في موضع الهجوم عليها كما يفعل البعض، لان تركيبتها لا تعينها في الاقلاع أكثر مما أقلعت. تقاسم الحقائب يجعلها مقاطعات تتضارب مصالحها، كما حصل في جلسة الخميس الماضي، اذ ارجئت كل الملفات الخلافية، والتي تشتم منها رائحة المصالح غالباً، ووضعها القانوني في غياب الرئيس يرسم معالم تعطيلها.
ما يعنينا أكثر من كل هذا، هو الخوف الذي اقتحم حياة اللبنانيين. فقضية الحدود مع سوريا تقلقهم في الشمال والبقاع والجنوب، ولا اتفاق على حلول لها، في ظل عدم ترسيم الحدود مع سوريا، وانعدام القدرة حالياً على ضبط تلك الحدود المفتوحة أمام أحزاب وتيارات ومجموعات اصولية، لبنانية وسورية، تستبيحها وتستبيح معها كرامتنا الوطنية. وقضية العسكريين المخطوفين المعقدة حتى تاريخه، يضاف اليها اطلاق النار على عسكريين في مناطق شمالية، لا يبشران بخير. بل ينذران باقصى العواقب لحال الفلتان وتراجع الانتماء الوطني. ووجود “داعش” و”النصرة” على الحدود، وتورط “حزب الله” في الحرب السورية بحجج مختلفة، مع ردات الفعل التي استتبعها تورطه، كلها اسباب تزرع الاحباط في نفوس اللبنانيين، وتدفعهم غالبا الى البحث عن تأشيرة هجرة الى اي بلد في العالم.
في مقابل هذا الوضع المأزوم، باتت الحاجة ملحة الى صدمة ايجابية، وهذه لا تتوافر الا بتوافق الحد الادنى بين المجموعات والاطراف، المأزومين أيضاً. فكل الطوائف والاحزاب في أزمة، وفي انعدام وزن ورؤية، ولا يمكن أحداً أن يزايد على أحد، لان الجميع في مركب واحد آيل الى الغرق ما لم يتداركوا المخاطر المحدقة به.
الوضع الامني يهدد الجميع، والتراجع الاقتصادي يضغط على الجميع، والواقع الاجتماعي المعيشي المتردي لن يوفر أحداً… فماذا ينتظر السياسيون الفاعلون؟ والاحزاب؟ وارباب الطوائف والمذاهب؟ ألا يستحق خطر الغرق قيام حال طوارئ والنزول من الابراج العاجية قبل أن تنهار أسسها على الجميع ويندموا ساعة لا ينفع الندم؟!