ذات نهار، كتبت مقالاً بعنوان “بيروت أمي” ردا على حديث لأحد نواب العاصمة يعلن فيه ان بيروت لأهلها، فقلت ان بيروت، بما هي عاصمة الدولة، خرجت من ملكية عدد من العائلات التي لها فيها سجل، لتصير ملك الامة والوطن. هي لنا جميعا، نحن اهلها وناسها من اي منطقة اتينا، وإن كنا لا نقترع فيها، وهذا امر لا يهمنا ولا نطالب به كي لا نسرق من تلك العائلات آخر ما لها من امتيازات. لكننا نحبها ونعشقها ونعتبرها “ست الدنيا” بجدارة.
وفي 7 أيار 2008، اعتبرت ان التعرض للعاصمة، يعيدنا الى زمن الميليشيات، لان حرمة العاصمة حرمتنا، وكرامتها كرامتنا، بغض النظر عن هوية المعتدين وطائفتهم، او مذهب المعتدى عليهم، لان بيروت في ذاتها اكبر من حسابات البعض، ومن صغائر المذهبيين.
أمس قرأت رسالة النائبة بهية الحريري الى أهل بيروت رداً على رفض كبير من المناطق، ومنها عكار وإقليم الخروب، وربما صيدا، استقبال نفايات العاصمة، وفيها “أشعر بحزن وخجل كبيرين من تنكّر اللبنانيين للعاصمة الحبيبة بيروت التي احتضنتنا جميعاً، وفتحت قلبها وبيوتها وأعمالها ومدارسها وجامعاتها ومستشفياتها وأسواقها لكلّ اللبنانيين من دون استثناء. وتحمّلت ظلم الحرب والقتل والدمار على أرضها وعمرانها في معارك لم يكن لأهلها دور فيها. وبقيت على مرّ السنين العاصمة المعصومة من كلّ حقد وكراهية وتفريق بين أبناء كلّ المناطق والطوائف على حدّ سواء. ولا أريد أن أزيد أو أذكّر بأنّ الجميع هم من يسكنون بيروت ولهم فيها الأهل والأبناء والأحفاد”.
هذا هو الواقع، فقد اقفلت المناطق ابوابها في وجه بيروت ونفاياتها، وهذه، للحقيقة، ليست نفايات اهل العاصمة ومحيطها، بل نفايات الوافدين من كل المناطق إليها والى ضاحيتيها وكل القرى الجبلية الصغيرة التي تحولت مدنا بسبب التزايد السكني فيها. واذا كانت ردات فعل الناس العاديين مقبولة لانهم يتحركون وفق انفعالات غير مدروسة، فإن مواقف عدد من نواب المناطق، جاءت من باب المزايدة السياسية ليس اكثر، وقد خلت من كل عقلانية. فكيف لنواب عكار مثلاً ان يتحدثوا عن نفايات العاصمة، ولمعظمهم فيها منازل يقيمون فيها اكثر مما يقيمون في منطقتهم الانتخابية، وكيف لهم ان يرفضوا نفايات يرمونها في سلال مجلس النواب والمطاعم والمقاهي المحيطة به، او في مقار مكاتبهم الخاصة وشركاتهم التجارية؟
لا يمكن التعامل مع نفايات العاصمة كأنها غريبة عن المناطق، فكلنا شركاء فيها، والوزراء والنواب في طليعتنا، اذ انهم في موقع المسؤولية والمحاسبة، ولم يفعلوا شيئا من واجباتهم حيال توفير حل لتلك المعضلات، فاكتفوا بالتفرج الى حين وقوع الكارثة، ثم اطلقوا مواقفهم عبر المنابر والشاشات والتي تحول بعضها شتائم لا تليق بالشعب اللبناني، بل تمثل مستوى اصحابها.