الكلمة التي ألقاها قائد «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في معراب في القداس السنوي عن أنفس شهداء «القوات» لم تكن كلمة عادية بل كانت مشروع دولة بكل معنى الكلمة:
أولاً: إلقاء مميّز يذكرنا بخطابات أحد الزعماء الكبار في الزمن الجميل للبنان.
ثانياً: لم يترك قضية صغيرة أو كبيرة إلاّ تناولها وحللها بكل شفافية وبكل وضوح وصراحة.
ثالثاً: كان يتحدّث كما يتحدّث معظم اللبنانيين الشرفاء الذين يعتبرون أنّ مصلحة لبنان فوق كل المصالح وليس لهم أي علاقة خارجية إلاّ إذا كانت لمصلحة لبنان أولاً.
رابعاً: بدأ بتوجيه تحية للجيش اللبناني وأعرب عن اعتزازه وفخره بالتضحيات التي قدّمها الجيش في معارك جرود رأس بعلبك والقاع وغيرها.
خامساً: اتهم الذين عقدوا اتفاقاً مع الدواعش على دم الجيش اللبناني وهذه فضيحة لا يمكن التستّر عليها.
سادساً: في موضوع العلاقات مع سوريا هذه هي المرة الأولى التي يتحدّث فيها زعيم لبنان بهذا الشكل، إذ ذكّرنا بالشهداء الذين قتلهم السوريون أثناء احتلالهم لبنان بين عامي 1975 و2005 يوم خروجهم.
وذكرنا أيضاً بأنّ إخراج القوات السورية من لبنان لم يكن ليتم لولا التضحيات التي قامت بها جماعة 14 آذار وهذا هو الانتصار الحقيقي الذي حققته.
ولم يكتفِ بذلك فقال إنّ السوريين تركوا وكلاءهم في لبنان ليقوموا بالأعمال الإجرامية بالنيابة عنهم.
وتطرّق الى نقط عدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قوله لوزراء «القوات» ونوابها إنّهم كانوا حراساً ساهرين على أمن لبنان باستقامة وشجاعة وتضحية وشفافية ففازوا بثقة الرأي العام وأظهروا صورة «القوات» المشرقة والنظيفة على حقيقتها، مستشهداً بآية من الانجيل المقدس: «إن الحجر الذي رذله البنّاؤون أصبح حجر الزاوية» (أي الحجر الأساس).
وعن الانتخابات الرئاسية قال إنه بعد سنوات عجاف من الفراغ جرى انتخاب رئيس ذي صفة تمثيلية حقيقية.
ولاحظ انه عوض أن يعطي تحرير الجرود من الارهابيين الدولة اللبنانية قوة دفع كبيرة باتجاه بسط سيادتها وسيطرتها على كامل تراب الوطن وعوض تسليم الجميع بكفاءة الجيش العالية وبقدرته في الدفاع عن لبنان، انزعج البعض وحاول حرمان الجيش واللبنانيين من ثمرة هذا النصر وبالمحاسبة القضائية… وحاول البعض أن يغش ذوي الشهداء.
وقال بالكف عن تحوير الواقع وتزوير الحقيقة فلبنان يعيش أزمة جوهرية وبالعمق على مستوى وجود الدولة والكيان بحكم ازدواجية السلاح ومصادرة قرار السلم والحرب، فترك المجال أمام حزب ليتجاوز الشرعية بينما ترفض أكثرية اللبنانيين السلاح غير الشرعي… ولقد آن الأوان لوضع حد لهذه الازدواجية… فسياج لبنان الوحيد هو الجيش اللبناني الذي رفع راية لبنان على التلال في الجرود.
وجزم: لن نسكت عن الباطل ولو اعتقد هذا الباطل أنّ الأمر الواقع ومرور الزمن ورضوخ البعض يكسبه بعض الشرعية.
ودعا الى حل في سوريا بانتقال كامل وشامل للسلطة تبعاً لقرارات مؤتمري «جنيڤ -1 وجنيڤ -2»… والنظام السوري لا يقل داعشية عن «داعش»، وطالب السوريين بأن يعيدوا لنا اسرانا ومفقودينا في السجون السورية وإلغاء المجلس الأعلى اللبناني – السوري لأنه غير دستوري وتسليم المحكومين قضائياً في تفجيري مسجدي التقوى والسلام وعلى رأسهم علي المملوك وبترسيم الحدود بين البلدين وبلبنانية مزارع شبعا، فالنظام السوري هو نظام سجون وقبور أثخن اللبنانيين جراحاً وذكريات مؤلمة وتدميراً وانتهاك كرامات وخطف آلاف اللبنانيين من مختلف الطوائف وانتهج أسلوب التصفية والاغتيالات(…).
وسأل: هل النظام السوري هو الموجود في سوريا أم نظام وصاية إيراني – روسي – اميركي – تركي؟..
واعتبر الدكتور جعجع اننا منذ انتخاب الرئيس ميشال عون بدأنا نتجه أكثر نحو استعادة المؤسّسات الدستورية (…) ولكن تركة عهد الوصاية (بقديمها والجديد) تحتاج الى جهد كبير لتنظيف لبنان منها.
وحدّد أسباب شكوى المواطنين بكل شيء ذاكراً الفراغ السيادي وازدواجية السلاح ووضع الطرقات الى ندرة فرص العمل وأزمة الكهرباء والماء والبنى التحتية والوضع المالي.
وحثّ القواتيين على الإقبال على صناديق الإقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة ليأتي الشعب اللبناني بممثلين عنه يشبهونه في أخلاقياته وعيشه اليومي (…) ولا تقترعوا للذين يتكلمون ليل نهار ولا يفعلون شيئاً.
وختم الدكتور جعجع متوجهاً الى أهالي الشهداء قائلاً: صحيح أنكم خسرتم أبناءكم ولكنكم ربحتم وطناً…
فعلاً… هكذا فليتكلم القادة!
عوني الكعكي