لو كان للثرثرة والنميمة رائحة، لكانت شركات الطيران في العالم أجمع منعت رحلاتها من العبور فوق بلدان الوطن العربي، بسبب الروائح المتصاعدة من هذه المجتمعات ومخاطرها على حركة الملاحة الاجتماعية والوطنية.
يتمّ تذكيرنا عند كلّ مناسبة أننا عرب نعيش في بلدان لا تختلف عن بعضها سوى في الأناشيد الوطنية وتتشارك نفس اللغة والعادات والتقاليد، ونعود نحن لنؤكّد اختلافنا عن بعضنا، وخصوصاً بكثرة الكلام عن عادات الآخر السيئة، فالمصري يثرثر على السوري، والسعودي يثرثر على الكويتي، والعماني على اليمني… واللبناني يثرثر على الجميع.
وفي عزّ تصاعد الغبرة من حلبات المصارعة لتثبيت هوية أفضل جنس عربي من خلف متاريس الكلام، ظهر برنامج «الصدمة» على شاشة MBC (يومياً 5,45) لينتشل البارودة من يد المجتمعات العربية التي تنتحر بتناحرها، وليصوّبها إلى عين الإعلام الغربي المتطفّل على إنسانيتنا، وليقول إنّ على هذه البقعة من الأرض يعيش أناس يشبهون بعضهم ويشبهون كلّ البشر، وحتى لو كانوا يعيشون تحت نير أنظمتهم السياسية وتركيباتهم الإجتماعية والثقافية.
«الصدمة» برنامج كسر عرف الكاميرا الخفية ومفهومها العام، وضع مكان الضحكة الفارغة دمعة من التأثّر والإنفعال، وحوّل منطق المفاجأة والصدمة إلى دروس أخلاقية وإنسانية من خلال أسلوب التجربة الإجتماعية (Social Experiment) ليلقي الضوء على مجموعة من المشاكل ويظهّر ردّ فعل الناس عليها.
يصوّر البرنامج حلقاته من عدّة بلدان عربية، مثل مصر والإمارات والسعودية ولبنان والعراق، ولكن يكتشف المشاهد في كلّ حلقة أن هؤلاء الناس يختلفون بلهجاتهم ولكنهم يتشابهون بإنسانيتهم ونخوتهم وعزّة نفسهم وحرصهم على بلدانهم ومجتمعاتهم، وبكرمهم واندفاعهم لمساعدة المظلوم والمحتاج والمخدوع.
والبرنامج مبني على فكرة وضع ممثلين في أماكن عامة لتنفيذ تجربة إجتماعية مختلفة في كلّ حلقة، ويتمّ التركيز على ردّ فعل الناس على الفعل الخاطئ الذي يتمّ تظهيره، مثل عجوز يسرق من السوبرماركت لإطعام عائلته، فتاة تعامل أمها بقسوة أو إبن يذلّ والده امام الناس، ربّة منزل تعنّف خادمتها، الضغط على شاب مصاب بداون سيندروم يعمل في سوبرماركت، الاحتيال بالمال على كفيف في الشارع، رمي النفايات في الأماكن العامة، طفل يطلب من راشد مساعدته على شراء السجائر، أم تعنّف إبنها في مطعم، زوج يعنّف زوجته في المول…
يتمادى الممثلون في فعل الخطأ حتى يستفزّون الشعب على ردّ فعل يليق بالموقف، وقد برهن العرب أنهم لا يتأخرون في التعبير عن البعد الإنساني المطبوع في أنفسهم، إلى حدّ قد يفاجئ المشاهد في بعض الأحيان وإلى أي مدى قد يذهب البعض للتدخّل في أمور الناس الشخصية من أجل مناصرة المظلوم… وقد يفاجئك الإماراتي بردّ فعله المبالغ ضدّ الذي يرمي النفايات في الحديقة العامة، واللبناني سيصدمك بدفاعه عن أصحاب الاحتياجات الخاصة، وكيف يستشرس العراقي للدفاع عن الكفيف الذي تمّ غشّه بالمال، والمصري المستعدّ للتعارك مع الإبن الذي يذلّ والده أو التهجّم على السيدة التي تعنّف خادمتها.
أكّد برنامج «الصدمة» على نطاق عالمي أنّ هذه الشعوب التي تتهمونها بالعنصرية والإرهاب والتخلّف والأميّة، هذه الشعوب تفوّقت من خلال التجربة الاجتماعية على كلّ البلدان الأجنبية المتحضّرة بإنسانيتها ونخوتها وحسّها الاجتماعي، وقد شهدنا بأم العين على كثير من التجارب الاجتماعية في نيويورك ولندن وباريس التي فشل فيها سكّان هذه المدن في واجباتهم الاجتماعية وإحساسهم بالآخر.
وحتى لو كان العرب يثرثرون، ولكنهم أثبتوا أنهم يفعلون ولا يقصّرون أبداً، وزادوا إيماننا بالبشرية وكبر قلبنا بهم… والمشاكل السياسية والاجتماعية والدينية في أكثر من بلد عربي، مثل مصر والعراق ولبنان، لم تقدر على مَحو النخوة من قلوب هذه الشعوب… ويا ليت ما شهدناه في «الصدمة» يصبح مادة درامية معمّمة تسمح للمشاهد البالغ والقاصر أن يتعلّم المبادئ الإنسانية وأهمية الإحساس بالآخر وكيفية التصرّف في الأوقات الحرجة التي تؤكّد على إنسانيتنا أو تنفيها.