IMLebanon

مشتاقون إلى عودة 14 آذار، شكلاً وأساساً

 

أما وقد اشتد التراشق الطائفي والتصرفات التي تنبعث منها روائح الطائفية الكريهة في أكثر من منطقة من لبنان، إلى درجة هددت حالة الإستقرار الأمني التي يعيشها البلد في هذه المرحلة، وأطلقت أحوال التحسب والتخوف من ارتدادات أمنية خطيرة.

 

وأما وقد صدرت مواقف وقرارات مناقضة للدستور ومناهضة لمبدأ العيش المشترك كتلك التي أصدرها المجلس البلدي في الحدث وحرّم بموجبها على أبناء الحدث المسيحيين بيع أو تأجير أية أرض وأية بيوت لآخرين من المسلمين بذريعة الحفاظ على مبدأ العيش المشترك في المنطقة!

 

وأما وأن الإرادة العليا في هذا الوطن، قد منّت علينا بنعمة غامرة متمثلة بأحد أبرز السياسيين في وطننا «المحظوظ» بها وبموهبتها الخارقة في خلق الخلافات والتناقضات والإهتزازات الطائفية والمناطقية والسياسية والإدارية، ولنا في أحداث يوم الأحد الفائت آخر النماذج التي مرّت أضرارها وأخطارها على البلاد في الفترة الأخيرة وصُنّفت بين التصرفات المهيئة لصاحبها لموقع رئاسة البلاد، وكأنما من بين شروط الرئاسة المسبقة، تخصّص عالٍ ومتفوق في زرع الإشكالات وتوتير الأجواء وعرقلة مسيرة البلاد والعباد باتجاه وحدة وطنية حقيقية غير قابلة للإهتزاز مع فورات التصريحات والزيارات والتصرفات التي غالبا ما تحمل الطابع الإستفزازي غير المنسجم على الإطلاق مع كل هذه الحماسة المتوثبة لبلوغ مواقع الرئاسة، فيما البلاد يهتز استقرارها وتتضعضع أسسها مع كل تصريح وكل زيارة وكل تصرّف.

 

وأما وأن الحبل على الجرّار في كثير من المواقع والمواقف السياسية سواء في الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي أو في فلتان وسائل التواصل الإجتماعي وجنوح الكثير منها إلى إذكاء روح الفتنة، والتباري في إثارة القلاقل الطائفية والمذهبية، والدفع بالبلاد وأوضاعها ومصيرها إلى مواقع بالغة الخطورة تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور.

 

…أما والحالة العامة على هذا الصعيد، تتقهقر بنا إلى الوراء، بينما سبق لنا في مراحل عديدة من تاريخ هذا الوطن، أن خطونا جملة من الخطى، وقفزنا بعضاً من القفزات باتجاه عيش مشترك قولا وفعلا، ودولة موحدة على أسس تقوم على حدٍّ أدنى من التلاحم الوطني.

 

وبما أن معظم الفئات والجهات اللبنانية باتت في هذه المرحلة السوداء تعود بسرعة صاروخية إلى مواقع من الفوران الطائفي والمذهبي قلّما وصلت إلى مثيله من قبل، وبتنا قابعين في صميم كلّ هذا التخلف الذي أصبح يعصف باستقرارنا وأمننا الوطني والإجتماعي بعد أن كنا قد مررنا بمرحلة متميزة مناقضة إلى حد بعيد لمرحلة هذه الأيام الحافلة بالأزمات والتحديات والمخاوف والتي تجرّنا حاليا إلى أدهى المهاوي والأخطار، عنينا بها مرحلة ثورة الأرز وما تلاها من ذلك التلاقي الوطني في تجمّع الرابع عشر من آذار، حيث أن بلادنا دفعت بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، ثمنا فادحا أدّى إلى تدافع اللبنانيين إلى ساحة التلاقي الوطني، وقد كانت فرصة معايشته وممارسته آنذاك قد أسفرت عن تحقيق هذا الجمع اللبناني النادر في مرحلة تاريخية نادرة التواجد أدت إليها عملية الإستشهاد بأيادي الغدر والتحكّم، وحصلت المعجزة بذلك التلاقي اللبناني بكثير من جهاته وفئاته، من خلال ثورة الارز ولواحقها حيث جمعت إليها كل المخلصين من أبناء الشعب اللبناني في لقاء متماسك ويضم إليه المنظومات اللبنانية بفئاتها وجهاتها كافة، ولم يبقَ خارج السرب الوطني المتماسك إلاّ من ارتبطوا بالنظام السوري وحليفه الإيراني، وكانت جبهة 14 آذار تضم أكبر حشد وطني متماسك تسوده وحدة في الرؤية الوطنية العامة، ولعل الإنتكاسات المتتالية التي نشهدها في هذه الأيام بالغة السواد، هي نتيجة من نتائج فرط 14 آذار، شكلاً وأساساً وتوّحداً وطنياً وسياسياً في إطار تنظيم متماسك في تركيبته المتعددة وشموليته الميثاقية، الأمر الذي يدفع بنا إلى التساؤل عن تلك الأسباب المشبوهة التي أدت إلى انفخات دف الرابع عشر من آذار وتفرّق أهله ومواكبيه، كل في اتجاه وفي مسيرة يتناقض فيها ويتناهض مع رفاق الأمس والدرب القويم.

 

ومع هول ما تبدَّى لنا من تطورات الأيام الأخيرة بكل مخاطرها ومهاويها أذكر أنه غالبا ما تطرأ على بلادنا ونحن في مرحلة نتهيأ فيها لموسم صيف واعد، وقد كان هذا الموسم واعدا بالفعل وبدأت ثماره الإيجابية تدرّ على البلاد أرتالا من المغتربين والمصطافين، فإذا بما يحصل، يبدد كثيرا من الآمال ويلغي كثيرا من الإنجازات المتوقعة على هذا الصعيد، وبدلا من توقعنا لتوافد المصطافين من الخارج أصبحنا نغرق في توقعات يطغى عليها التحسب والتخوف والتشاؤم.

 

واستذكر ملاحظة لأحد الأصدقاء قالها لي وأنا أبدي له تخوفي على الآمال التي القيت على موسم الإصطياف الحالي بعد أن بادرني بالقول: إضافة إلى كثيرين من المصطافين المغتربين والعرب والأجانب الذين قرروا نتيجة لاضطراب الأوضاع، التوجه إلى أماكن إصطياف أخرى بدلا عن لبنان، هناك كثير من اللبنانيين المقيمين، وفي طليعتهم كثيرون من شبابنا الضائعين والعاطلين عن العمل والفاقدين لذرات الأمل، قد عادوا إلى التفكير بشدّ الرحال لهجرة تقيهم من مخاوف البقاء في هذا الوطن الذي بات ينام على حال سيىء ويستفيق على حال أسوأ، وقانا الله من تطورات قد لا تكون في الحسبان.